The Tatars from the Beginning to Ain Jalut
التتار من البداية إلى عين جالوت
Genres
احتلال التتار لأفغانستان
انقلب جنكيز خان على بلاد المسلمين يصب عليها جام غضبه، ويفعل بها ما اعتاد التتار أن يفعلوه وأكثر، وكانت أشد المدن معاناة مدينة غزنة عاصمة جلال الدين بن خوارزم، المدينة التي هزم عندها قبل ذلك جنكيز خان، فقتل كل رجالها، وسبى كل نسائها، وأحرق كل ديارها بلا استثناء، وتركها كما يقول ابن الأثير: خاوية على عروشها كأن لم تغن بالأمس.
والذي يجدر ذكره أن من جملة من أمسك بهم جنكيز خان من أهل المدن أطفال جلال الدين بن خوارزم، فأمر جنكيز خان بذبحهم جميعًا، وهكذا ذاق جلال الدين من نفس المرارة التي ذاقها الملايين من شعبه.
روى البيهقي أن رسول الله ﷺ قال: (كن كما شئت، كما تدين تدان).
والحديث مرسل.
وحقق جنكيز خان بذلك حلمًا غاليًا جدًا، لم يكن يتوقع أن يحققه بهذه السهولة، وهذا الحلم هو احتلال أفغانستان، فاحتلال أفغانستان كان حلمًا لـ جنكيز خان ولغيره من الغزاة، فاحتلالها خطوة مؤثرة جدًا في طريق سقوط الأمة الإسلامية، وسقوطها نذير خطر شديد للأمة بأسرها، لعدة أسباب، منها: أولًا: طبيعتها الجبلية التي تجعل غزوها شبه مستحيل، وهي بذلك تمثل حاجزًا طبيعيًا قويًا في وجه الغزاة، وتخفف الوطء على البلاد المجاورة لها، فإن سقطت كان سقوط البلاد المجاورة لها مثل: باكستان وإيران ثم العراق سهلًا جدًا.
ثانيًا: موقعها الإستراتيجي الهام، فهي تقع في موقع متوسط في آسيا، والذي يسيطر عليها يستطيع النظر من زاوية درجتها (٣٦٠) درجة على المنطقة بأسرها، فيستطيع مراقبة باكستان وإيران وروسيا والهند، ويكون قريبًا نسبيًا من الصين، فالسيطرة على كامل آسيا بعد احتلال أفغانستان أمر ممكن.
ثالثًا: الطبيعة الجبلية لأفغانستان أكسبت شعبها صلابة وقوة لا تتوافر في غيرها من البلاد، فإن سقطوا فسيكون سقوط غيرهم سهلًا بلا شك.
رابعًا: يتمتع سكانها بنزعة إسلامية عالية جدًا، وبروح جهادية بارزة مميزة، وليس من السهل أن يقبلوا الاحتلال، وقد ظهر ذلك واضحًا في انتصارين متتالين على التتار، فكل الجيوش الإسلامية قبل ذلك فشلت في حربها مع التتار، وأول مرة غلب التتار فيها كانت في أفغانستان، فقد غلبوا مرتين، فلو سقط الأفغان فسيعد ذلك نجاحًا هائلًا للقوى المعادية للمسلمين.
خامسًا: أن الأثر المعنوي السلبي على الأمة الإسلامية سيكون رهيبًا، والأثر المعنوي الإيجابي على التتار سيكون كبيرًا جدًا كذلك، والأثر السلبي على المسلمين والإيجابي على التتار سيكون مؤثرًا جدًا في الأحداث.
وأنى لأمة محبطة أن تفكر في القيام؟! وأنى لجيش كجيش التتار حقق نصرًا صعبًا أن يفرط في الانتصارات السهلة؟! هذا عادة لا يكون، فأفغانستان كانت محطة خطيرة جدًا، ومؤثرة تأثيرًا سلبيًا كبيرًا جدًا على أمة الإسلام بصفة عامة، وليس على أهل أفغانستان فقط.
وبذلك يكون التتار الذين وصلوا من الصين قد دخلوا كازاخستان، ثم أوزباكستان، ثم تركمانستان، ثم أفغانستان، ثم إيران، ثم أذربيجان، ثم أرمينيا، ثم جورجيا، في سنة (٦١٧هـ)، وهذا الكلام مثبت في كل كتب التاريخ، ففي سنة واحدة اجتاحوا هذا الجانب الشرقي الضخم المهول من العالم الإسلامي، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
3 / 3