173

The Tatars from the Beginning to Ain Jalut

التتار من البداية إلى عين جالوت

Genres

فتوى الشيخ العز بن عبد السلام حول اقتراح قطز بفرض الضرائب على الشعب كان للشيخ العز بن عبد السلام ﵀ تحفظ خطير على قرار فرض ضرائب على الشعب لتجهيز الجيش، ولم يوافق عليه إلا بشرطين عسيرين جدًا، فقال ﵀: إذا طرق العدو البلاد وجب على العالم كلهم قتالهم يعني: كل العالم الإسلامي وجب عليه أن يقاتل العدو؛ لأنه احتل بلدًا من بلاد المسلمين، فتعين الجهاد عند ذلك، ولم يصبح فرض كفاية، ولكن أصبح فرض عين. ثم يقول: وجاز أن يؤخذ من الرعية ما يستعان به على جهازهم -يعني: فوق الزكاة- بشرطين: الشرط الأول: ألا يبقى في بيت المال شيء، فإذا استنفذت أموال الدولة وفنيت في تجهيز الجيش جاز فرض الضرائب بالقدر الذي يسمح فقط بتجهيز الجيش لا أكثر من ذلك. الشرط الثاني: أن تبيعوا ما لكم من الممتلكات والآلات، ويقتصر كل منكم على فرسه وسلاحه وتتساووا في ذلك أنتم والعامة، وأما أخذ أموال العامة مع بقاء ما في أيدي قادة الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا. وهذه فتوى في منتهى الجرأة، يقولها أمام سلطان مصر وأمرائها ووزرائها. وهذه الفتوى وإن كانت عجيبة في جرأتها فاستجابة قطز ﵀ كانت أعجب من الفتوى، فقد قبل ﵀ كلام الشيخ العز بن عبد السلام ببساطة، فبدأ بنفسه فباع كل ما يملك، وأمر الوزراء والأمراء أن يفعلوا ذلك فانصاع الجميع، وتم تجهيز الجيش المسلم بالطريقة الشرعية من أموال الوزراء والأمراء، وما احتاجوا أن يفرضوا ضرائب على الشعب. واكتشف المسلمون في مصر اكتشافًا عجيبًا، اكتشفوا أن مصر غنية جدًا، وأن البلد ليس فقيرًا، بل فيه أموال هائلة برغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة، فقد امتلأت جيوب كثير من الوزراء والأمراء بأموال البلد الهائلة، وأصبحت ثروات بعضهم تساوي ميزانيات بعض الدول، وتكفي لسداد الديون المتراكمة على البلد، وسد حاجة الفقراء والمساكين، وإصلاح الوضع الاقتصادي، ومع ذلك كانوا يحتفظون بهذه الأموال، فأصبحت البلاد ضعيفة وفقيرة مع غناها وعظم مصادرها. وللأسف الشديد فإن كثيرًا من هذه الأموال الطائلة دخلت جيوب الأمراء والوزراء بطرق غير مشروعة، وبغير وجه حق، فهذا يختلس، وهذا يرتشي، وهذا يظلم، وهذا يأخذ نسبة، وهذا ينفق في سفه، وهذا يعطي من لا يستحق، وهكذا بُددت أموال الدولة العظيمة مصر وأصبحت دولة فقيرة نامية، بينما إمكانياتها تسمح لها بأن تكون من دول الصدارة. فجاء قطز ﵀ فغير كل هذه الأوضاع، وبدأ ﵀ في عملية تنظيف منظمة للبلد، تنظيف الأيدي والقلوب. فاصطلح القائد مع شعبه أخيرًا بعد سنوات من القطيعة بين الحكام والشعوب، فكانت النتيجة تجهيز جيش عظيم مهيب، غايته نبيلة، وأمواله حلال، ودعاء الناس له مستفيض، وإعداده جيد، وكيف لا يُنصر جيش مثل هذا؟! فمعادلة النصر في الإسلام ليست صعبة، بل تقول: ﴿إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد:٧]. ونصر الله ﷿ لا يكون إلا بتطبيق شرعه. فالجيش المسلم الذي يخالف قاعدة شرعية لا يمكن أن ينصره الله ﷿، فالأمر واضح جدًا، والبداية بيد المسلمين، انصروا الله ﷿ ينصركم الله ﷿، وهكذا جُهّز الجيش المصري المسلم، وأعد إعدادًا عظيمًا وبأموال حلال.

9 / 11