The Subtle Beneficial Insights on the Noble Discussions Contained in the Wasitiyya Creed
التنبيهات اللطيفة على ما احتوت عليه العقيدة الواسطية من المباحث المنيفة
Publisher
دار طيبة
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٤هـ
Publisher Location
الرياض
Genres
[مقدمة الناشر]
التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الناشر ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا - قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا - مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا - وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا - مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾ [الكهف: ١ - ٥]
وأشهد أن لا إله إلا الله المتفرد بالوحدانية والمستحق للعبودية، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ تسليمًا كثيرا.
أما بعد.
فإن علم التوحيد ومعرفة صفات الله من أشرف العلوم وأعظمها قدرًا؛ لأنه يتناول تعريف الخلق بأعظم موجود وهو الله جل وعلا، ويبصر العبد بحقيقة دينه، ويرشده إلى أقوم السبل لتحقيق عبوديته لله إذ هي الغاية من
1 / 3
وجوده، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] وفق المنهج الذي ارتضاه الله لخلقه وأمر رسله بإبلاغه.
وهو أساس الدين وأصله، ولا تقبل العبادة مهما عظمت أو جلّت ما لم يوحد الله ﷾ في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته توحيدًا يصدق فيه القول العمل، ويتواطأ على الإيمان به والإخبات له اللسان والجنان، وتستسلم له الجوارح والأركان، ويتفق فيه الإسرار والإعلان.
ولأن هذا العلم بهذه المكانة من دين الإسلام فقد عُني به أئمة الإسلام تأليفًا وتصنيفًا في القديم والحديث، يوضحون منهج الله لمن أراد الهدى، ويدفعون عن دين الله كل انتحال وتحريف وزيف وغلو وجهل وضلال.
ولا يزال أئمتنا- ولله الحمد- يقتفون أثر سلفهم في الاهتمام بهذا العلم تدريسًا وتأليفًا وشرحًا وتعليقًا، وهذا الكتاب الذي نقدمه اليوم إلى القارئ " التنبيهات
1 / 4
اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة " تظافر عليه ثلاثة من أئمتنا وهم: شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ﵀ صاحب المتن، والشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي ﵀ -مؤلف الشرح، وسماحة الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز -حفظه الله وأمد في عمره -الذي علق على الكتاب تعليقات نفيسة ترفع من قيمة الكتاب.
وقد عرضت على سماحته في عام ١٤١٢هـ نسخة من الطبعة الأولى لهذا الكتاب، فراجعها، وصححها، وأضاف عليها تعليقات جيدة، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
ولأن هذا الكتاب يتناول هذا العلم الشريف المنيف، ولأنه من خير ما يستعان به- بعد الله- على معرفة ما يجب اعتقاده- فقد أعدنا طبعه للمرة الثانية طمعًا في الأجر، ورغبة في إرشاد القارئ المسلم إلى المنهج السوي والاعتقاد الصحيح والصراط المستقيم، جعلنا الله
1 / 5
هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
وكالة الطباعة والترجمة
1 / 6
[مقدمة الطبعة الأولى]
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الأولى الحمد لله رب العالمين، ونصلي ونسلم على أشرف خلقه وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين.
وبعد:
فإن رسالة "العقيدة الواسطية" لمؤلفها شيخ الإسلام العلامة أحمد بن تيمية -قدس الله روحه -هي من أجل وأجمع وأوضح وأبسط ما كتب عن شرح أصول الإيمان على طريقة السلف الصالح، ومهما قيل عن سبب تأليفها وأنها كتبت في جلسة واحدة، أو لتلبية طلب بعض منتسبي أهل السنة، ورغبته في كتابة رسالة مختصرة مفيدة تكون نبراسا له ومحجة؛ لئلا يضل الطريق، ومهما قيل أيضًا بصدد إهماله أو اختصاره لشرح بعض الأصول دون بعض، فإن ذلك كله لا يقلل من قيمتها، بل إنه السر الأكبر والمميز
1 / 7
الوحيد لتفوق هذه الرسالة على ما عداها من رسائل كثيرة كتبت في أزمنة مختلفة، وبأقلام عدد من كبار أهل السنة والجماعة من بينهم المؤلف نفسه.
فكتابتها لشخص واحد من أهل السنة معناه: كتابتها لجميع أهل السنة، واقتصاره في شرح بعض أصول الإيمان وبسطه لبعض الأصول يوحي بأهمية الفصل المبسوط على الفصل المختصر، أو لأن الكلام فيه والأخذ والرد كان قليلا لا يعدو الكلام المشار إليه، أو لوضوح معنى الأصل بحيث لا يحتمل المزيد في رسالة مختصرة.
أما إهماله لشرح بعض أصول الإيمان وإن كان قد أشار إليه في المقدمة كالإيمان بالملائكة مثلا، فيرجع ذلك إلى أن الإيمان بالملائكة وما يدخل تحته يكاد لا يكون موضع خلاف بين أهل السنة وغيرهم، فالقول فيه متفق عليه تماما بين غالبية الفرق المنتسبة للإِسلام.
ولا يغرب عن البال ما قد عرضه بعض فلاسفة المسلمين لموضوع الملائكة، وهل يوصفون بالعقل؟ أو أن ذلك غير
1 / 8
جائز في حقهم. وكاد هذا القول يموت في مهده لولا أن وجد له من أثاره في بعض المناسبات من المعاصرين، وكذلك وصفهم بالذكورية. أما وصفهم بالأنوثية فمعروف كفر من يقول به.
وعندنا أن الشيخ لم يشأ أن يجري في بسط وشرح ما دار في هذا الموضوع من كلام في عقيدة مختصرة كهذه- وإن كان قد بسطه في مواضع كثيرة من مؤلفاته العديدة- حبًا منه في أن لا يشغل القارئ ذهنه بما لا يعود عليه بالنفع، وما لا يترتب عليه مزيد من الإيمان والعمل الصالح، وخوفًا من التوسع في خلاف لا طائل تحته، وتمشيا مع ما تقره أصول أهل السنة من الكراهية للتعرض لما لم يعرض له السلف والتابعون لهم بإحسان.
ومع شهرة هذه العقيدة السلفية ومحبة علماء نجد وغيرهم من علماء السلف منذ زمن قيام المجدد المصلح الشيخ: محمد بن عبد الوهاب - لهذه الرسالة، وعنايتهم بها، وتقريرها في دروسهم، وشرحها شفويا لطلبتهم العديدين-:
1 / 9
لم تحظ بتعليق ولو وجيز لبسط بعض فصولها وتفسير بعض غوامضها.
وكان أن صدر في وقت واحد شرحان كبيران لأستاذين جليلين من أساتذة كلية الشريعة بالرياض هما: الشيخ عبد العزيز بن رشيد، والشيخ زيد بن فياض. فقاما وكأنهما على موعد بكتابة شرحين وافيين عمدَا فيه على بسط كل فصل من فصول الكتاب بكلام شيخ الإسلام نفسه في مواضع من كتبه العديدة، ومن كتب تلاميذه الأجلاء كابن القيم، وابن رجب، وغيرهما، إلا أن جهدهما المشكور كان لرفع مستوى الدارس والباحث أقرب منه لِإفهام الطالب والمستزيد.
ولا ننسى أن نشير إلى شرح موجز للأستاذ السلفي محمد خليل الهراس خرج في الوقت نفسه وسد فراغًا كبيرا، غير أن إلمام الشيخ الهراس بعلم الكلام وتأثره به قد أضفى على الشرح شيئا مما قد يكرهه أهل السنة، بل ويكرهه المؤلف نفسه، ونعني بذلك بعض التعابير المستعملة عند المتكلمين من الأشاعرة وغيرهم.
1 / 10
ولما كنا على علم بشرح موجز خرج قبل كل هذه الشروح، إلا أنه لم يخرج إلى النور، ولم يتيسر طبعه فيما سبق وذلك هو الكتاب المسمى: (بالتنبيهات اللطيفة على ما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة) للعلامة: عبد الرحمن بن سعدي، ﵀.
وكنا قد حصلنا على إذن سابق منه بطباعة هذا الكتاب ونشره، غير أن ظروفًا قسرية حالت بيننا وبين تحقيق ذلك، واليوم وقد واتت الظروف ولله الحمد قمنا بطباعة هذا الكتاب النفيس. وتكملة للفائدة وبإشارة بعض المخلصين قمنا بتعليق بعض الفوائد المقتبسة من تقارير شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز -أمد الله في حياته -وقد كان درَّس لنا هذه العقيدة في السنة الرابعة الثانوية (بمعهد الرياض العلمي) فجاء هذا الشرح مع هذا التعليق وافيًا بمقصود الطالب، ومفيدًا للمدرس. والله نسأل أن ينفع به إنه خير مأمول وأكرم مسئول.
الناشران عبد الرحمن بن رويشد
سليمان بن حماد
1 / 11
[مقدمة المحقق]
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الحمد لله الموصوف بصفات العظمة والكبرياء والكمال، المنزه عن الشريك، والنقص، والشبه، والمثال، وأشهد أنه المنفرد بالوحدانية المستحق لِإفراده بالعبودية في كل الأحوال، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم في العقائد، والأخلاق، والأقوال، والأفعال.
أما بعد: فهذا تعليق لطيف على عقيدة شيخ الإسلام ابن تيمية المسماة بـ (الواسطية) التي جمعت على اختصارها ووضوحها جميع ما يجب اعتقاده من أصول الإيمان وعقائده الصحيحة، وهي وإن كانت واضحة المعاني محكمة المباني - تحتاج إلى تعليق يزيد في توضيح بعض ما فيها من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وتبين وجه
1 / 13
دلالتها على المقصود، وبيان وجه ارتباط بعض المسائل ببعض، وجمع ما يحتاج إلى جمعه في موضع واحد والإشارة إلى بعض آثارها وفوائدها في القلوب والأخلاق، والتنبيه لكل ما يحتاج إلى التنبيه عليه. وأرجو الله أن يكون هذا التَعليق على هذا الوصف، وأن يكون خالصا لوجهه الكريم مقربا إليه نافعا، سهلا في ألفاظه ومعانيه.
[معنى الحمد]
قال المصنف ﵀: الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا به وتوحيدًا إقرارًا به وتوحيدًا وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا مزيدًا
[اعتقاد أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات]
ثم قال المصنف: أما بعد: فهذا اعتقاد الفرقة الناجية (١) المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة وهو: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره
ــ
الحمد لله؛ أي أن جميع أوصاف الكمال ثابتة لله على أكمل الوجوه وأتمها، ومما يحمد عليه نعمه على العباد التي لا يحصي أحد من الخلق تعدادها، وأعظمها إرساله محمدًا ﷺ رحمة للعالمين، بالهدى الذي هو العلم النافع ودين الحق الذي هو العمل الصالح، ليظهره على جميع الأديان بالحجة والبرهان وبالعز والسلطان، وكفى بالله شهيدًا على صدق رسوله وحقيقة ما جاء به، وشهادته
_________
(١) قول الفرقة الناجية: (أهل السنة والجماعة) في الأسماء والصفات هو: إثبات ما جاء في القرآن العظيم والسنة الصحيحة من أسماء الله وصفاته على الوجه اللائق بجلال الله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، عملًا بقول الله تعالى: " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " فنفى عن نفسه المماثلة وأثبت السمع والبصر، فدل ذلك على أن مراده سمع وبصر لا يماثلان أسماع الخلق وأبصارهم.
1 / 14
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تعالى بقوله وفعله، وتأييده لرسوله بالنصر والمعجزات والبراهين المتنوعة الدال كل واحد منها - فكيف بجميعها- على رسالته وصدقه، وأن جميع ما جاء به هو الحق من عقائد وأخلاق وآداب وأعمال وغيرها
أي: أقر وأعترف مصدقًا ومعتقدًا أنه لا يستحق الألوهية- وهي التفرد بكل كمال- إلا الله، وأنه لا يستحق العبادة إلا هو وحده لا شريك له. ولهذا قال:
أي: بالقلب واللسان،
أي: إخلاصًا لله في كل عبادة قولية أو عملية أو اعتقادية، وأعظم ما يوحد به ويتقرب إليه به تحقيق العقيدة السلفية المحتوي عليها هذا الكتاب، وبتحقيق العقيدة تصلح الأعمال وتقبل وتستقيم الأمور
الشهادة للرسول بالرسالة والعبودية مقرونة بالشهادة لله بالتوحيد، لا تكفي إحداهما عن الأخرى، ولا بد فيها من اعتراف العبد بكمال عبودية
1 / 15
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النبي ﷺ لربه وكمال رسالته المتضمنة لكماله ﷺ وأنه فاق جميع البشر في كل خصلة كمال، ولا تسمى شهادة حتى يصدقه العبد في كل ما أخبر، ويطيعه في كل ما أمر وينتهي عما نهى عنه، وبهذه الأمور تتحقق الشهادة لله بالتوحيد، وللرسول بالرسالة.
يقول المصنف ﵀: إن ما احتوت عليه هذه الرسالة هو العقيدة المنجية من الهلاك والشرور، المحصلة لخيري الدنيا والآخرة
1 / 16
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الموروثة عن محمد ﷺ، المأخوذة عن كتاب الله وسنة رسوله، وهي التي عليها الصحابة والتابعون لهم بإحسان إلى يوم القيامة، الذين ضمن الله لهم على لسان رسوله النصر إلى قيام الساعة. والنصر إنما حصل لهم ببركة هذه العقيدة والعمل بها وتحقيقها بالقيام بجميع أمور الدين. وأصلها الذي تبنى عليه: هو الإيمان بهذه الأصول الستة التي صرح بها الكتاب والسنة في مواضع كثيرة جملة وتفصيلًا وتأصيلًا وتفريعًا، وهي المذكورة في حديث جبريل المشهور حين قال جبريل للنبي ﷺ: ما الإيمان؟ فأجابه بذلك. فهذه الرسالة من أولها إلى آخرها تفصيل لهذه الأصول الستة.
ذكر المصنف ﵀ هذا الأصل والضابط العظيم في الإيمان بالله إجمالا قبل أن يشرع في التفصيل؛ ليبنى العبد على هذا الأصل جميع ما يرد عليه من الكتاب والسنة، فيستقيم له إيمانه ويسلم من الانحراف. فذكر أنه يجب ويتعين الإيمان بكل ما أخبر الله به في كتابه وأخبر به رسوله ﷺ إيمانًا صحيحًا سالمًا من التحريف والتعطيل، وسالمًا من التكييف والتمثيل، بل يثبت ما أثبته الله ورسوله
1 / 17
[فصل في الإيمان بالله] [الإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله محمد ﷺ]
فصل في الأصل الأول وهو أصل الأصول كلها وأعظمها وأهمهما وعليه تنبني جميع الأصول والعقائد وهو: الإيمان بالله. قال المصنف ﵀ ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله محمد ﷺ، من غير تحريف (١) ولا تعطيل (٢) . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
_________
(١) التحريف معناه تغيير ألفاظ الأسماء والصفات أو تغيير معانيها، كقول الجهمية في "استوى": استولى، وكقول بعض المبتدعة: إن معنى الغضب في حق الله إرادة الانتقام، وأن معنى "الرحمة" كذلك إرادة الإنعام، وكل هذا تحريف. فقولهم في "استوى" استولى من تحريف اللفظ. وقولهم: "الرحمة" إرادة الأنعام و"الغضب" إرادة الانتقام من تحريف المعنى. والقول الحق أن معنى الاستواء الارتفاع والعلو كما هو صريح لغة العرب، وجاء به القرآن ليدل على أن معناه الارتفاع والعلو على العرش على وجه يليق بجلال الله وعظمته، وكذا الغضب والرحمة صفتان حقيقيتان تليقان بجلال الله وعظمته كسائر الصفات الواردة في القرآن والسنة.
(٢) التعطيل معناه سلب الصفات ونفيها عن الله تعالى، وهو مأخوذ من قولهم (جيد معطل) أي خال من الحلي، فالجهمية وأشباههم قد عطلوا الله عن صفاته؛ فلذلك سموا بالمعطلة، وقولهم هذا من أبطل الباطل؛ إذ لا يعقل وجود ذات بدون صفات، والقرآن والسنة متظافران على إثبات هذه الصفات على وجه يليق بجلال الله وعظمته.
1 / 19
ولا تكييف (١) ولا تمثيل (٢) بل يؤمنون بأن الله سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسماء الله وآياته، ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه؛ لأنه سبحانه لا سمي له، ولا كُفُؤَ له،
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
_________
(١) التكييف معناه: بيان الهيئة التي تكون عليها الصفات، فلا يقال: كيف استوى؟ كيف يده؟ كيف وجهه؟ ونحو ذلك؛ لأن القول في الصفات كالقول في الذات، يحتذى حذوه ويقاس عليه، فكما أن له ذاتًا ولا نعلم كيفيتها، فكذلك له صفات ولا نعلم كيفيتها؛ إذ لا يعلم ذلك إلا هو مع إيماننا بحقيقة فعناها.
(٢) أما التمثيل فمعناه: التشبيه، فلا يقال: ذات الله مثل ذواتنا أو شبه ذواتنا، وهكذا فلا يقال في صفاته: إنها مثل صفاتنا أو شبه صفاتنا، بل على المؤمن أن يلتزم قوله تعالى: "ليس كمثله شيء "، و" هل تعلم له سميًا " والمعنى: لا أحد يساميه؛ أي يشابهه.
فائدة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: قال: إذا قال لك المؤول: معنى الغضب إرادة الانتقام، والرحمة إرادة الأنعام، فقل له: وهل هذه الإرادة تشبه إرادة المخلوق، أم أنها إرادة تليق بجلاله وعظمته، فإن قال الأول: فقد شبه، وإن قال الثاني فقل: ولم لا تقول: رحمة وغضب يليقان بجلاله وعظمته، وبذلك تحجه وتخصمه.
1 / 20
ولا يقاس بخلقه سبحانه.
فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلا وأحسن حديثا من خلقه، ثم رسله صادقون مصدقون، بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون؛ ولهذا قال سبحانه: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ - وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات: ١٨٠ - ١٨٢] فسبح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل، وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب
[الإثبات المفصل والنفي المجمل في أسماء الله وصفاته]
وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي (١) والإثبات، فلا عدول لأهل السنة عما جاء
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
_________
(١) طريقة الكتاب والسنة في أسماء الله وصفاته: الإثبات المفصل، والنفي المجمل، فقد جمع فيما وصف به وسمى به نفسه بين النفي المجمل مثل قوله تعالى: " ليس كمثله شيء"، " ولم يكن له كفوا أحد"، "هل تعلم له سميا"، وكذلك قوله ﵇ في حديث أبي موسى: " إنكم لا تدعون أصما ولا غائبا" في حكم النفي المجمل؛ لأن الصمم والغيبة تتضمنان نفي نقائص كثيرة تلزم من صفتي الصمم والغيبة؛ لأن الأصم هو الذي لا يسمع ولا يصلح أن يكون إلها؛ لهذا النقص العظيم الذي يلزم منه عدم سماع دعاء الداعين وأصوات المحتاجين وغير ذلك من النقائص. كما أن الغيبة يلزم منها عدم اطلاعه على أحوال عباده وعدم علمه بما ينبغي أن يعاملهم به ونحو ذلك.
1 / 21
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا يزيد على ذلك ولا ينقص، فإن الكلام على ذات الباري وصفاته واحد، فكما أن لله ذاتا لا تشبه الذوات، فله تعالى صفات لا تشبه الصفات، فمن مال إلى نفي الصفات أو بعضها فهو نافٍ معطل محرف، ومن كيّفها أو مثّلها بصفات الخلق فهو ممثل مشبه. والفرق بين التحريف والتعطيل: أن التعطيل نفي للمعنى الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة. والتحريف: تفسير للنصوص بالمعاني الباطلة التي لا تدل عليها بوجه من الوجوه.
فالتحريف والتعطيل قد يكونان متلازمين إذا أثبت المعنى الباطل ونفى المعنى الحق، وقد يوجد التعطيل بلا تحريف كما هو قول النافين للصفات، الذين ينفون الصفات الواردة في الكتاب والسنة ويقولون: ظاهرها غير مراد. ولكنهم لا يعينون معنى آخر، ويسمون أنفسهم مفوضة، ويظنون أن هذا مذهب السلف، وهو غلط فاحش، فإن السلف يثبتون الصفات. وإنما يفوضون علم كيفيتها إلى الله
1 / 22
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيقولون: الوصف المذكور معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، وإثباته واجب، والسؤال عن كيفيته بدعة، كما قال الإمام مالك وغيره في الاستواء. وأما قوله: (من غير تكييف ولا تمثيل) فالفرق بينهما: أن التكييف هو تكييف صفات الله والبحث عن كنهها، والتمثيل: أن يقال فيها مثل صفات المخلوقين. ونفي الكُفُؤ والند والسمي ينفي ذلك التكييف والتمثيل. وقوله: السميع والبصير ونحوها من إثبات أسماء الله وصفاته تنفي التعطيل والتحريف.
فالمؤمن الموحد يثبت الصفات كلها على الوجه اللائق بعظمة الله وكبريائه. والمعطل ينفيها أو ينفي بعضها، والمشبه الممثل يثبتها على وجه يليق بالمخلوق.
ونصوص الكتاب والسنة التي يتعذر إحصاؤها كلها تشترك في دلالتها على هذا الأصل وهو: إثبات الصفات على وجه الكمال الذي لا يشبهه كمال أحد، وهي في غاية الوضوح والبيان وأعلى مراتب الصدق، فإن الكلام
1 / 23
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إنما يقصر بيانه ودلالته لأمور ثلاثة: إما جهل المتكلم وعدم علمه وقصوره. وإما عدم فصاحته وبيانه. وإما كذبه وغشه. أما نصوص الكتاب والسنة فإنها بريئة من هذه الأمور الثلاثة من كل وجه، فكلام الله ورسوله في غاية الوضوح والبيان وفي غاية الصدق، كما قال: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ [النساء: ١٢٢] ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ [النساء: ٨٧] ونظيره قوله تعالى: ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ [الفرقان: ٣٣] والرسول ﷺ في غاية النصح والشفقة العظيمة على الخلق، وهو من أعلم الخلق وأصدقهم وأفصحهم، وأنصح الخلق للخلق، وهل يمكن أن يكون في كلامه شيء من النقص أو القصور؟ بل كلامه هو الغاية التي ليس فوقها غاية في الوضوح والبيان للحقائق، وهذا برهان على أن كلام الله وكلام رسوله يوصل إلى أعلى درجات العلم واليقين، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، والحق النافع هو ما اشتمل عليه كلام الله وكلام رسوله في جميع الأبواب، لا سيما في هذا الباب الذي هو أصل الأصول كلها،
1 / 24