214
قالت عائشة: فجهزناهما أحث الجهاز، وضعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها، فربطت به على فم الجراب - فبذلك سميت ذات النطاقين - ثم لحق رسول الله ﷺ وأبو بكر بغار في جبل ثور فتواريا فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبدالله بن أبي بكر، وهو غلام شاب، ثقف، لقن، فيرحل من عندهما سحرا، فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمرا يُكادان به إلا وعاه، حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة، مولى أبي بكر، منحة من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسلهما (^١) ثم يسرح بها عامر بن فهيرة بغلس، فلا يفطن به أحد من الرعاء، يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث. قال أبو بكر ﵁: نظرت إلى أقدام المشركين على رءوسنا ونحن في الغار، فقلت يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه؛ أبصرنا، تحت قدميه، فقال: " يا أبا بكر، ما ظنك باثنين، الله ثالثهما؟ "، قال تعالى: ﴿إلا تنصروه فقد نصره الله، إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار، إذ يقول لصاحبه لا تحزن، إن الله معنا، فأنزل الله سكينته عليه، وأيده بجنود لم تروها، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله هي العليا، والله عزيز حكيم﴾. واستأجر رسول الله ﷺ وأبو بكر رجلًا من بني الديِل هاديًا خريتًا (^٢) قد غمس يمين حلف في آل العاص بن وائل السهمي، وهو على دين كفار قريش، فأمناه، فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، فأتاهما براحلتيهما صبيحة ليال ثلاث، فارتحلا وانطلق معهما عامر بن فهيرة، والدليل الدِّيلِيُّ، فأخذ بهم أسفل مكة، وهو طريق الساحل. قال أبو بكر: أخذ علينا بالرصد، فخرجنا ليلًا، فأسرينا ليلتنا ويومنا، حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة، فعطش رسول الله ﷺ، فرفعت لنا صخرة طويلة لها ظل، لم تأت عليه الشمس بعد، فنزلنا عندها، فأتيت الصخرة، فسويت بيدي مكانًا ينام فيه النبي ﷺ في ظلها، ثم بسطت عليه فروة، ثم قلت له: اضطجع يا رسول الله، فاضطجع النبي ﷺ،

(^١) بِكَسْر الرَّاء: اللَّبن. (^٢) الخريت: الماهر في معرفة الطرق. وهو عبدالله بن أُرَيْقِط.

1 / 238