بعد إتمام رسالته ونجاح قيادته، مؤكدة للمبادئ التي أعلنها في أول دعوته، يوم كان وحيدًا مضطهدًا، ويوم كان قليلًا مستضعفًا، مبادئ ثابتة لم تتغير في القلة والكثرة، والحرب والسلم، والهزيمة والنصر، وإعراض الدنيا وإقبالها، وقوة الأعداء وضعفهم، بينما عرفنا في زعماء الدنيا تقلبًا في العقيدة والمبدأ، وتباينًا في الضعف والقوة، وتغيرًا في الوسائل والأهداف، يظهرون خلاف ما يبطنون، وينادون بغير ما يعتقدون، ويلبسون في الضعف لبوس الرهبان، وفي القوة جلود الذئاب، وما ذلك إلا لأن هؤلاء رسل المصلحة، وأولئك رسل الله وشتان بين من يحوم فوق الجيف، وبين من يسبح في بحار النور، شتان بين الذين يعملون لأنفسهم، وبين الذين يعملون لإنسانيتهم، شتان بين أولياء الشيطان وأولياء الرحمن؟الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون؟ [البقرة: ٢٥٧].
الفصل السادس - في أهم الأحداث التي وقعت بعد فتح مكة إلى وفاة الرسول ﷺ
بعث أسامة
إن آخر ما فعله رسول الله ﷺ لنشر الدعوة وحمايتها، ورد غارة المعتدين على الدولة الجديدة والمتربصين بها أن جهز جيشًا الى الشام تحت قيادة أسامة بن زيد وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين، وقد كان في هذا الجيش جميع