al-ẓāhira al-Qurʾāniyya
الظاهرة القرآنية
Editor
(إشراف ندوة مالك بن نبي)
Publisher
دار الفكر
Edition Number
الرابعة
Publication Year
١٤٢٠ هـ -٢٠٠٠م
Publisher Location
دمشق سورية
Genres
معالمها بين ليلة وضحاها، ويقتضي لها الوقت الضروري والطبيعي لتحضيرها، فإن هؤلاء الكتاب قد التزموا جانب الافتراض، وافترضوا لهذا الاعتزال مدة تمتد عبر سنين عديدة.
وهكذا تحتم على محمد أن يختفي منذ زواجه في سن الخامسة والعشرين، ليفرغ إلى تأملاته، ولا يعود للظهور إلا وهو يحمل رسالته ذات صباح.
وعلى الرغم من أنك جهدت في تفنيد ورفض فكرة الاعتكاف هذه، فإنك تبدو مع ذلك قد أفسحت المجال لوجود خلفية وسند مادي لها، أعني بذلك انطواء الرسول لمدة خمسة عشر عامًا.
إن فرضية غياب كهذا، ليست فحسب مجانبة لا سند لها، بل إنها غير صحيحة على الإطلاق من الوجهة التاريخية.
فالمصادر الوثيقة جدًا تحدد في الواقع تاريخ هذا الاعتكاف بالضبط بشهر قبل نزول القرآن. كما تحدد بدقة أكثر أن هذا الشهر تخللته عودة إلى منزله مرات عدة كليما يتزود. وقد سبقت هذا الشهر أيضًا رؤى واضحة كان يراها الرسول في منامه ثم ما يلبث أن يجدها حقيقة كفلق الصبح.
لقد حدثت هذه الإرهاصات جميعها في الأربعين من عمره، أي في عام هبوط الوحي.
وإذا ذهبنا بعيدًا، وافترضنا جدلًا أن هذا الشهر من الاعتكاف، قد داوم عليه الرسول في كل عام، منذ زواجه وحتى نزول الوحي؛ يبقى أن نلاحظ بأن أحد عشر من اثني عشر شهرًا من سني حياته في هذه الفترة قد قضاها في محيط اجتماعي، وأمام أعين مواطنيه.
والقرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [يونس ١٦/ ١٠] إنما يستخرج
1 / 14