203

The Prophetic Biography and the Call in the Civil Era

السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني

Publisher

مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع

Edition Number

الأولى ١٤٢٤هـ

Publication Year

٢٠٠٤م

Genres

دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ ١ حيث نرى الآيات تبرز كلمات فرعون وهو يثبت أنه الإله، وأنه واضع الطريقة المثالية، وأن موسى ﵇ داعية فساد، وأنه يعمل على صرف الناس عن دينهم الصحيح؟! علمت الجماعة المؤمنة في المدينة المنورة كل هذا، وفهمت الإسلام حق الفهم ولذلك اقتصرت على الأخذ من وحي الله، وتركت ما عداه وإن تزين وتزخرف. ولقد قدموا من أعمالهم وأخلاقهم المثاليات العوالي التي نتمنى أن نراها في دنيا المسلمين اليوم، ومن هذه الروائع: - بايع بعض أصحابه ﷺ أن لا يسأل الناس، فكان السوط يسقط من أحدهم، فينزل عن دابته فيأخذه ولا يقول لأحد: ناولنيه. وكان من شدة حبهم وطاعتهم له ﷺ أنه ﷺ نهى أهل المدينة عن كلام الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، فما كان من الناس إلا أن أطاعوه ﷺ، وأصبحت المدينة لهؤلاء الثلاثة غريبة، عجيبة، كأنها مدينة الأموات ليس بها من يكلمهم، أو يجيبهم، كأنها لا تعرفهم، وكأنهم في خصومة مع الجميع، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت. يقول كعب بن مالك، ونهى رسول الله ﷺ عن كلامنا، فاجتنبنا الناس، وتغيروا لنا حتى تنكرت لي نفس الأرض، فما هي الأرض التي أعرف. ولقد مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي، وأحب الناس إليّ فسلمت عليه فوالله ما رد عليّ السلام. فقلت له: يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله؟! فسكت، فعدت فناشدته فسكت، فعدت فناشدته فقال: الله ورسوله أعلم ففاضت عيني وتوليت حتى تسورت الجدار. وكان من صدق طاعة كعب بن مالك وهو في المحنة أن رسول الله ﷺ

١ سورة غافر آية ٢٦.

1 / 216