The Prophetic Biography and the Call in the Civil Era
السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني
Publisher
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
Edition Number
الأولى ١٤٢٤هـ
Publication Year
٢٠٠٤م
Genres
يتركون حظوظ النفس والهوى، و﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ ١.
لقد صنعت العقيدة الدينية الجماعة المسلمة صافية في توحيدها، وتوحدها، وتوجهها، وجعلت المؤمنين عبيدًا خاشعين لله، يرون في مكة قبل الهجرة سعادتهم في الطاعة، ويقصرون آمالهم في رضى الله، ويرجون سعادة حقيقية يعيشونها في الدنيا مع الناس، ويتمتعون بها في الآخرة عند الله.
فلما هاجروا إلى المدينة المنورة احتاجوا إلى الشريعة تنير لهم الطريق، وتعرفهم بمراد الله تعالى، وتطلعهم على أوامره ونواهيه، ليعيشوا في إطار المشروعية الدينية الصحيحة وليكون عملهم وخلقهم متوازنًا مع إيمانهم وعقيدتهم، وليكونوا سويًا مجتمع الحب، والتسامح، والتآلف.
لقد عاش الرسول ﷺ في المدينة المنورة بعد الهجرة والمسلمون معه الإسلام كله ولم ينتقل ﷺ إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن نزل عليه قول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ ٢.
إن سيرة الرسول ﷺ في المدينة المنورة تختلف عن سيرته ﷺ في مكة من ناحية أحداثها، ووقائعها، وحركتها، وإن اتفقت في أنها جميعًا كانت في مجال الدعوة إلى الله تعالى.
في مكة عاش ﷺ بعيدًا عن الوحي حتى بلغ سن الأربعين! وكان الله معه، يرعاه ويصنعه للرسالة فهيأ له التربية الصحيحة، وأبعده من مزالق الهوى، وأحاطه بخوارق العادات في صورة إرهاصات، ومبشرات، وعلامات ... كما أنه ﷺ عاش بعد البعثة فترة الرسالة في مكة وسط قلة من المؤمنين مستضعفة أمام ظلم الكفرة وعدوانهم، وكثيرًا ما عانت، وتحملت، وصبرت، وتمسكت بدينها الذي آمنت به. أما في المدينة المنورة فقد عاش النبي ﷺ والمسلمون معه حياة القوة العادلة، وسط
_________
١ سورة الحشر: ٩.
٢ سورة المائدة: ٣.
1 / 8