The Orientalists' View of the Mu'tazila
موقف المستشرقين من المعتزلة
Genres
موقف المستشرقين من المعتزلة
د. عبد المجيد بن محمد الوعلان
1 / 1
المقدمة
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا بحث مختصر عن موقف المستشرقين من المعتزلة (^١)، ويشتمل على تمهيد وثلاثة فصول:
الفصل الأول: التعريف بالمعتزلة، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تسمية المعتزلة وألقابهم، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: أصل تسمية المعتزلة.
المطلب الثاني: أسماء المعتزلة.
المبحث الثاني: العوامل التي يرى المستشرقون أنها ساعدت وهيأت لظهور المعتزلة.
المبحث الثالث: أعلام المعتزلة.
الفصل الثاني: موقف المستشرقين من مصادر التلقي عند المعتزلة، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: القرآن الكريم.
المبحث الثاني: السنة النبوية.
المبحث الثالث: العقل.
الفصل الثالث: موقف المستشرقين من أصول المعتزلة، وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: التوحيد.
المبحث الثاني: العدل.
المبحث الثالث: الوعد والوعيد.
المبحث الرابع: المنزلة بين المنزلتين.
المبحث الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الخاتمة.
أسأل الله أن يجعله خالصا لوجه الكريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
د: عبد المجيد بن محمد الوعلان
awalaan@gmail.com
_________
(^١) ملخص من رسالة: موقف المستشرقين من الفلاسفة عرض ونقد، لمنصور بن عبدالعزيز الجحيلي، مع زيادات يسيرة.
1 / 2
التمهيد
إن الصراع بين الحق والباطل، قائم منذ الأزل، وما ذاك إلا أنه سنة من سنن الله ﷿ ولن تجد لسنة الله تبديلًا.
ولقد تكالب أعداء الإسلام على الدين الحق من كل حدب وصوب، بقيادة اليهود والنصارى حيث لم يعلموا وسيلة إلا استخدموها، ولا طريقة إلا سلكوها، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ (^١).
وكانت من وسائلهم للنيل من هذا الدين؛ الحروب الصليبية، والتنصير، ثم الاستشراق.
وهو - أي الاستشراق- من أخطر الوسائل، وذلك لزعمهم أنه فكر نير ملتزم بالموضوعية، والأمانة العلمية في البحث، والدراسات الإسلامية.
وقد اهتم المستشرقون بالمعتزلة اهتمامًا بالغًا، ظهر في تمجيدهم لرجال هذه الفرقة، ونشر مؤلفاتهم، والمبالغة في الثناء عليهم وعلى أفكارهم، وبيان أنهم أكثر المنتسبين إلى الإسلام فهمًا للإسلام.
كما وصفهم المستشرق (شتيز) بأنهم المفكّرون الأحرار في الإسلام، وألّف كتابًا بهذا الاسم.
وكتب المستشرق (هاملتون جب) عددًا من الكتب منها؛ وجهة الإسلام (إلى أين يتجه الإسلام) و(الاتجاهات الحديثة في الإسلام) مجَّد فيه مسلك المعتزلة ومن تأثر بهم في هذا العصر، ودعا إلى إسقاط مذهب أهل السنة، وقبول مفهوم التطور.
وقامت المستشرقة (سوسنه ديفلد) بتحقيق كتاب (طبقات المعتزلة) لأحمد بن يحيى المرتضى، صدَّرته بمقدمة أشادت فيها بالمعتزلة وأنها خدمت دين الإسلام خدمة عظيمة من خلال مجادلتها للثنوية وردها لمقالاتهم. وذكرت بأنها - أي المعتزلة - وطَّأت لأهل السنة الطريق لإثبات عقيدتهم.
كما أثاروا في نفوس الباحثين أن تاريخ المعتزلة وعقائدهم وثروتهم العلمية قد ذهبت، فأصبح الاعتماد على نقول خصومهم عنهم؛ مما يحتم ضرورة إنشاء بعثة علمية لأخذ الصورة الحقيقية من مخلفاتهم الخطية المبعثرة في بلاد اليمن وغيرها والقيام بنشرها. وقد كانت هذه دعوة المستشرق (الفرد جيوم) أستاذ الدراسات الشرقية في جامعة لندن، حيث قال: "إن ما انتهى إلينا من كتابات رجال الاعتزال قليل جدًا إلى حد أننا مضطرون إلى أن نعتمد على ما يقوله مخالفوهم عنهم، وقد كانوا يحملون لهم ذكريات مريرة لما قام به المعتزلة من أعمال تعسفية لذلك، فإن أملنا لكبير، إذا كنت مكتبات الشيعة في اليمن أو في غير اليمن تحوي مخطوطات من أصل معتزلي أن نقوم بنشرها. هذا وإن أولئك الذين يرغبون في الوقوف على نتاج العقل العربي في عصور الخلافة الذهبية، يحسنون صنعًا إذا أقدموا على درس هذه الرسالة اللمّاعة في تأريخ حركة عظيمة في حركات الفكر العربي" (^٢).
_________
(^١) الأنعام: ١١٢.
(^٢) من مقدمة كتاب المعتزلة، تأليف زهدي حسن جار الله، قدّم له آلفرد جيوم.
1 / 3
وكان من منهج المستشرقين في دراستهم للمعتزلة أنهم عندما تعرضوا لدراسة الإسلام بشكل عام، لم يدرسوه بموضوعية ونزاهة، بل درسوه وقد ترسخ في أذهانهم فكرة أساسية وهي لابد من هدم الإسلام والقضاء عليه (^١).
ونقل الدكتور (موريس بوكاي) عن المستشرق (هانونو) قوله: وأفضل الطرق لتثبيت ولاية المستعمر الأوربي على البلاد الإسلامية، هو تشويه الدين الإسلام وتصوره في نفوس معتقديه، بإبراز الخلافات المذهبية .. مع شرح مبادئ الإسلام شرحًا يشوّهها وينحرف بها عن قيمها الأصلية (^٢).
فكان تركيزهم في البحث عن المسائل الخلافية الشائكة التي أثارتها تلك الفرق، وأثرت على تفكير المسلمين وأشغلتهم، فيبرزون تلك المسائل ويظهرونها على أنها هي الحق والصواب، من غير أن يتبعوا منهجًا علميًا يقوم على البحث والتمحيص، واتباع الدليل والبرهان في الوصول للنتيجة.
فقد تبنوا فكرة أن العقل هو مصدر المعارف الدينية، والمعيار الذي توزن به الحقيقة الدينية (^٣)، ونسبوا ذلك للدين الإسلامي، موافقة للمعتزلة دون نظر للردود عليهم، أو حتى مناقشة تلك الردود أو على الأقل عرضها بنفس الطريقة التي أبرزوا بها الطريقة العقلانية التي سار عليها المعتزلة.
ومن منهجهم تبني الأفكار الخطيرة وكأنها من المسلمات، ويناقشونها من باب إثبات أصلها وأن المسلمين قد استفادوها من ذلك الأصل ونسبوها لأنفسهم.
ومن منهجهم التلميع والثناء المبالغ فيه لأعلام المعتزلة، ووصفهم بأنهم حماة الدين، ومفكروه، والذَّابون عنه، فمن ذلك قولهم عن أبي الهذيل العلاف: إنه المدافع عن الإسلام ضد الأديان الأخرى، وضد التيارات الفكرية للعصر السابق، وأنه قد اشتهر بحسن الجدل والمناظرة (^٤)، ووصف الجاحظ بأنه خبير بالنفوس.
ومن منهجهم أنهم يعتمدون الكذب أو التدليس والتشكيك، في أمور يُقطع بثبوتها؛ حيث نجد أنهم عند وقوفهم على معضلة وكبيرة من كبائر الفرق - لا يستطيعون عنها محيدًا- فليس أمامهم إلا إثباتها وبالتالي ظهور عوار هذه الفرقة الضالة، أو إنكارها وهو ما لا يستطيعونه أمام البحث العلمي نجد أنهم يبادرون القول بأن هذه الأقوال مكذوبة عليهم، أو أن المذهب قد اعتراه بعض الدس والحشو، والتقوُّل عليه، أو الزعم بأنه لم تصل كل مصنفات ذلك العالم حتى يمكن فهم مقصده تمامًا، وبيان حجته التي قال على ضوئها ذلك القول.
ومن منهجهم تعمد الإساءة للإسلام، وعدم قدرتهم على إثبات دعواهم، بل تهربهم من ذلك، وكأن قولهم حجة لا تحتاج إلى دليل، فهذا المستشرق (جولد زيهر) عندما زعم بأن القرآن الكريم إنما استمد موضوعاته من العهد القديم (^٥)، لم يستطع أن يقدم دليلًا واحدًا على ذلك، بل اكتفى برمي الشبهة أو الفرية فقط.
؟
_________
(^١) انظر: احذروا الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام، سعد الدين السيد صالح: ٩٣.
(^٢) انظر: الله أو الدمار، لطفي جمعة: ٦٥، احذروا الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام: ٩٣.
(^٣) انظر: مذاهب التفسير، جولد زيهر: ١٥٩.
(^٤) انظر: دائرة المعارف الإسلامية ٢/ ٤٢١، ٣٠/ ٩٣٨٨.
(^٥) انظر: العقيدة والشريعة: ١٤ - ١٥.
1 / 4
الفصل الأول: التعريف بالمعتزلة
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تسمية المعتزلة وألقابهم، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: أصل تسمية المعتزلة.
المطلب الثاني: أسماء المعتزلة.
المبحث الثاني: العوامل التي يرى المستشرقون أنها ساعدت وهيأت لظهور المعتزلة.
المبحث الثالث: أعلام المعتزلة.
1 / 5
المبحث الأول: تسمية المعتزلة وألقابهم
المطلب الأول: أصل تسمية المعتزلة:
عدَّ المستشرق (كارلو الفونوس نيلنو) معرفة سبب إطلاق لفظ (المعتزلة) وبأي معنى أطلق من المسائل الخطيرة، وأن الوقوف على حل هذه المسألة يساعد في حل مسألة تعتبر من أهم المسائل التاريخية وهي مسألة أصول حركة المعتزلة وطابعها الأصلي (^١).
فقالوا في أصل اطلاق لفظ المعتزلة عدة أقوال، منها:
أولًا: أنها من الزهد والورع:
وهذا هو رأي المستشرق (جولد زيهر) حيث يفسر اسم (المعتزلة) بأنه مشتق من الاعتزال، الذي هو بمعنى الزهد والتعبد، ويرى أن نقطة ابتداء المعتزلة وبواعث مصدرهم كانت من التقوى والتعبد (^٢).
وأيد رأيه بما يلي:
١ - ما ورد من تفسير لكلمة (المعتزلة) بمعنى الزهد والتعبد.
٢ - ما روي عن عدد من رجال المعتزلة من زهد وتقشف، حتى روي عن واصل بن عطاء الغزالي أنه لم يقبض في حياته دينارًا أو درهمًا.
ثانيًا: أنها من الانفصال والانشقاق:
وهذا رأي كثير من المستشرقين منهم: (اشتيتر السويسري، وفون هامر الألماني، وفون كريمر النمساوي) وغيرهم كثير، وقد قدم المستشرق (نيللو) في بحثه عن أصل تسمية المعتزلة ثبتًا يحوي عددًا من أسماء المستشرقين الذين قبلوا الرأي الذي يقول بأن كلمة (المعتزلة) تعني (المنشقين والمنفصلين) (^٣).
والقائلون بهذا القول من المستشرقين (^٤) يعودون بالمعتزلة إلى ما قبل واصل بن عطاء، ويعتمدون على بعض النصوص التي تسمي المعتزلة أحيانًا بالقدرية (^٥)، ويجعلون السبب الرئيس في نشأة المعتزلة، هو اختيار من نوع سياسي (^٦)، وأن (المعتزلة) اسم عام لفئة انفصلت عن الجمهور وانشقت عليه، ولكن بمضي الزمن أصبح هذا الاسم في أوائل القرن الثاني للهجرة، علمًا على مذهب خاص (^٧) وأن السبب في اعتزال واصل بن عطاء هو ثورته على المذهب المنكر لحرية الإرادة (^٨)، وأن كلمة (المعتزلة) تحمل بين ثناياها طابع الاستنكار، والمعتزل هو المخالف والمنفصل (^٩).
_________
(^١) انظر: التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، بحوث في المعتزلة (نيللو): ١٧٣.
(^٢) انظر: العقيدة والشريعة في الإسلام: ١٠١، التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، بحوث في المعتزلة (نيللو): ١٧٨ - ١٧٩.
(^٣) انظر: التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية: ١٧٥، فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحية ١/ ٧٩ - ٨٠.
(^٤) انظر: التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية: ١٧٧.
(^٥) القدرية هم: نفاة القدر، نسبوا إليه لنفيهم إياه بقولهم: إن العبد هو الذي يخلق فعله، عكس الجبرية، وقد تطلق هذه التسمية على فرقة المعتزلة، لأنها هي التي ورثت القول بهذه المقولة. انظر: الفرق بين الفرق: ١١٧ - ١١٨، التبصير في الدين: ٦٣، الملل والنحل ١/ ٥٦.
(^٦) انظر: تاريخ الفلسفة الإسلامية (هنري كوريان): ١٩٤.
(^٧) انظر: التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، بحوث في المعتزلة (نيللو): ١٧٦.
(^٨) المرجع السابق: ١٧٧.
(^٩) انظر: تاريخ الفلسفة الإسلامية (هنري كوريان): ١٨٤.
1 / 6
وهذا الرأي الذي قال به المستشرقون قد أورده عدد من كتاب الفرق في كتبهم كالبغدادي والشهرستاني، وأن كلمة (المعتزلة) لفظ أطلقه أعداؤهم من أهل السنة عليهم للتدليل على أنهم انفصلوا عنهم، وتركوا مشايخهم القدامى، واعتزلوا قول الأمة بأسرها في مرتكب الكبيرة، فهم بهذا الاعتبار اسم يتضمن نوعًا من الذم، واتهامًا واضحًا بالخروج على السنة والجماعة، فالمعتزلي هو المخالف والمنفصل (^١).
ثالثًا: أنها من الوقوف على الحياد:
وهذا هو رأي المستشرق (نيللو) والمستشرق (دومينيك سورديل الفرنسي) من أن الاعتزال مأخوذ من الحياد، والسبب في ذلك؛ أن المعتزلة قد وقفوا على الحياد بين أهل السنة والجماعة وبين الخوارج.
لذا فإن مفهوم الاعتزال عندهم هو الوقوف على الحياد في مواجهة الفرق المتنازعة (^٢)، بل قال المستشرق (د: جمرت): أنه قد يطلق على بعض الصحابة الذين وقفوا على الحياد بين علي ومعاوية، كعبدالله بن عمرو بن العاص، وسعد بن أبي وقاص، إلا أنه ليس هناك أي صلة بينهم وبين حركة الاعتزال التي أسسها واصل بن عطاء (^٣).
رابعًا: أن المعتزلة تطور من القدرية:
وهذا القول متداخل مع القول بأنها مأخوذة من الانفصال والانشقاق، إلا أنه يختلف عنه من خلال كون القائلين به جعلوا القدرية هي أصل المعتزلة ومبدأها، وأن أصول المعتزلة التاريخية تعود إلى معبد الجهني وغيلان الدمشقي، مع قولهم بأنها من الانفصال والانشقاق، وقد قال بهذا من المستشرقين (اشتيتر، فون كريمر، دي بوار الهولندي) (^٤).
وهذا فيه موافقه للحقيقة من حيث أصل نشأة المذهب، إلا أنه ليست له علاقة بالتسمية، ذلك أن المعتزلة والقدرية، قد اتفقتا على إنكار القدر والقول بنسبة خلق الأفعال للعباد (^٥)، كما أن غيلان الدمشقي ذكره كتاب طبقات المعتزلة ضمن رجال الطبقة الرابعة (^٦)، مما يرجح أن أصول مذهب القدر كانت ممهدة لأصول الاعتزال من حيث توافق الأفكار في مسألة القدر.
_________
(^١) انظر: دراسات في الفرق والعقائد الإسلامية: ٨٤.
(^٢) انظر: دائرة المعارف الإسلامية ٣٠/ ٩٣٨٤، التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، بحوث في المعتزلة (نيللو): ١٨١، ١٩٠، ١٩١.
(^٣) انظر: التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، بحوث في المعتزلة (نيللو): ١٨٣ - ١٨٤.
(^٤) انظر: المرجع السابق: ١٧٧.
(^٥) انظر: المعتزلة بين القديم والحديث: ٦٠ - ٦١.
(^٦) انظر: طبقات المعتزلة لابن المرتضى: ٢٥، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة: ٢٢٩.
1 / 7
المطلب الثاني: أسماء المعتزلة
أولًا: المعتزلة
لقد غلب إطلاق اسم (المعتزلة) على هذه المدرسة العقدية، حتى غدا أشهر أسمائها وأعمّها (^١)، ولكن المستشرقين فيه على طرفي نقيض، فغالبية المستشرقين يطلقون عليهم اسم (المعتزلة) (^٢) ولا خلاف بينهم إلا في أصل التسمية، ويرى المستشرق (هنري كوريان الفرنسي) أن المعتزلة -أنفسهم- كانوا يفخرون بهذا الاسم في كل مراحل تاريخهم، وليس في ذلك ما يدل على أن الاسم يدينهم بشيء (^٣)، ولم يطلقه عليهم أهل السنة مضمنًا معنى الذم أو السخرية (^٤).
بينما المستشرق (نيبرج السويدي) يعترض على هذه التسمية، ويرى أنها غير معقولة ولا وجه لها، وحجته في ذلك أنه قد ورد تسمية هذه المدرسة (بأهل الاعتزال) و(من قال بالاعتزال) فلو كان معنى الكلمة ما زعموه لما جازت هذه التسمية، كما أن لها عدة نظائر في عرف ذلك الزمان، كالمرجئة يرادفها أهل الإرجاء وهم الذين قالوا بالإرجاء، والرافضة التي يرادفها أهل الرفض ومن قال بالرفض.
ويؤيد اعتراضه ما أورده المسعودي من أن كلمة (اعتزال) في اصطلاح مذهب المعتزلة، هو القول بالمنزلة بين المنزلتين، أي باعتزال صاحب الكبيرة عن المؤمنين والكافرين (^٥).
ثانيًا: القدرية:
يرى المستشرق (أشتيتر) أن المعتزلة في بدء أمرهم كانوا يسمون (القدرية) ثم لما أظهروا آراء مخالفة في مسائل عديدة، مثل صفات الله، وطبيعة القرآن، والوعد والوعيد بدت هذه التسمية (القدرية) غير كافية للدلالة عليهم، فاستبدلت بتسمية (المعتزلة) (^٦).
ويقول المستشرق (فوكوك الإنجليزي): فإذا سمي المعتزلة باسم القدرية، فذلك للقدرة التي يقولون بوجودها في العباد، فيظهر أن اشتقاق هذا الاسم أتى من إسنادهم أفعال العباد إلى قدرتهم (^٧)، واستند في قوله هذا إلى نص ذكره الإيجي في المواقف حيث يقول: "ويلقبون بالقدرية لإسنادهم أفعال العباد إلى قدرتهم" (^٨).
_________
(^١) انظر: المعتزلة زهدي جار الله: ١٠.
(^٢) انظر: دائرة المعارف الإسلامية ٣٠/ ٩٣٨٤.
(^٣) انظر: تاريخ الفلسفة في الإسلام (هنري كوريان): ١٨٤.
(^٤) انظر: التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية: ١٩٠.
(^٥) انظر: مروج الذهب ٦/ ٢٢، ٧/ ٢٣٤.
(^٦) انظر: التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، بحوث في المعتزلة (نيللو): ١٧٦ - ١٧٧.
(^٧) انظر: المرجع السابق: ١٩٩.
(^٨) انظر: المواقف للإيجي: ٤١٥.
1 / 8
ولا يوافق المستشرق (نيلو) على تسمية المعتزلة بالقدرية، ويقول: "كيف ولماذا سمي القائلون بحرية الإرادة والاختيار من المسلمين (قدرية) مع أن هذا الاسم يبدو أن معناه العكس تمامًا، أي (القائلون بمذهب القدر والجبر)؟ ".
ثم يقول: "اعتاد المؤلفون العرب أن يجيبوا عن هذا السؤال باشتقاق من قبيل الاشتقاق عن الضد، فيقولون إنهم سموا القدرية، لأنهم أنكروا القدر أو على إنكارهم القدر، ولقد شعر الناس بما بين الاسم والمسمى من تناقض في العصور المتأخرة، حتى قال أحد القدرية: إن من يقول بالقدر خيره وشره من الله، أولى باسم القدرية منها" (^١).
ويذكر المستشرق (لويس غاردية) بأن المعتزلة قد حاولوا التخلص من اسم القدرية، ذلك المصطلح الذي قد أطلق عليهم من غير تحفظ، فتنصلوا منه، حتى قام البعض منهم بتفسير الأصل الاشتقاقي للكلمة تفسيرًا مختلفًا واستخدموها للتعبير عن أولئك الذين نادوا بفكرة القدر المطلق (^٢).
وبهذا نلاحظ أن المستشرقين لا يرون تسمية المعتزلة بالقدرية ومن يثبت ذلك منهم فإنما يجعله منشأ وتمهيدًا للمعتزلة، وليس اسمًا لهم، باستثناء المستشرق (فوكوك) الذي يسمي المعتزلة باسم القدرية، ويعلل ذلك للقدرة التي يقولون بوجودها في العباد، وأن اشتقاق هذا الاسم أتى من إسنادهم أفعال العباد إلى قدرتهم (^٣).
ثالثًا: أهل العدل والتوحيد
يرى المستشرق (دي بوار) أن أخص لقب أطلق على المعتزلة حتى آخر أمرهم، حينما توجه تفكيرهم إلى مباحث تختلط فيها الفلسفة بالكلام، هو أنهم (أهل العدل) القائلون بأن الله لا يصدر عنه شر، وأنه يثيب الإنسان ويعاقبه على حسب عمله، وهم يسمون بعد ذلك (أهل التوحيد) الذين ينكرون أن صفات الله زائدة على ذاته (^٤).
أما المستشرق (جولد زيهر) فيرى أنه بسبب اتجاه ميلوهم ونزعاتهم الدينية والفلسفية إلى مسألتي (العدل والتوحيد) فقد سموا أنفسهم (أصحاب العدل والتوحيد) (^٥).
وذكر محرروا مادة (المعتزلة) في دائرة المعارف بأنه قد عرف عن المعتزلة بأنهم أهل العدل والتوحيد (^٦).
؟
_________
(^١) انظر: التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، بحوث في المعتزلة (نيللو): ١٧٨.
(^٢) انظر: دائرة المعارف الإسلامية ٢٤/ ٧٣٧١.
(^٣) انظر: التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، بحوث في المعتزلة (نيللو): ١٩٩.
(^٤) تاريخ الفلسفة في الإسلام (دي بوار): ٩٩.
(^٥) انظر: العقيدة والشريعة: ١٠٤.
(^٦) انظر: دائرة المعارف الإسلامية: ٢٤/ ٧٣٧٤)، مذاهب التفسير الإسلامي: ١٥٩.
1 / 9
رابعًا: الجهمية:
لا يرى المستشرقون أن اسم الجهمية من أسماء المعتزلة ويقولون إن علماء الحنابلة هم الذين أطلقوا هذا الاسم على المعتزلة.
يقول المستشرق (مونتغمري وات الأمريكي): " إن علماء الحنابلة هم الذين أطلقوا اسم (الجهمية) على (المعتزلة) لأنه لم يكن هناك فرقة أو مجموعة تعرف باسم (الجهمية)، وأنه نتيجة لصراع الأسماء الموجود في ذلك الوقت برزت مادة مثيرة، وجدها مؤلفو الفرق مفيدة في تصنيف آرائهم عن الفرق، مما يجعل الاعتقاد بأن جهمًا التاريخي قد اعتنق كل هذه الآراء المنسوبة إلى الجهم، منطويًا على مفارقة تاريخية" (^١).
ويرى المستشرق (بينس الألماني) أن المعتزلة في علاقتهم مع الجهمية، لم يكونوا يعطونهم فقط؛ بل كانوا يأخذون منهم أيضًا (^٢).
_________
(^١) انظر: مقالة عن الجماعة والفرق (مونتغمري وات) ترجمة: ناهد جعفر: ١٧.
(^٢) انظر: مذهب الذرة: ١٣٠.
1 / 10
المبحث الثاني: العوامل التي يرى المستشرقون أنها ساعدت وهيأت لظهور المعتزلة
من العوامل التي يرى المستشرقون أنها ساعدت وهيأت لظهور المعتزلة ما يلي:
١ - الجدل واللجاج بسبب الخلافات الكلامية بين الفرق الإسلامية:
حيث سيطرت قضية مرتكب الكبيرة على النقاشات، واشتد النزاع بين أهل السنة والخوارج، فرفض الخوارج حكم أهل السنة، واعترض المرجئة على حكم الخوارج، وتعاظم الخلاف بين الفرق الإسلامية، واحتدم الجدال، وصارت تعقد في مساجد البصرة وغيرها حلقات المناظرة، التي كان من أشهرها حلقة الحسن البصري الذي حاول أن يحل المشكلة بقوله: إن مرتكب الكبيرة المسلم (منافق) (^١).
وفي هذا الجو الوقت ظهرت المعتزلة لتضع حلولًا تحسب أنها سترضي الجميع، وتحوز قبولهم، وتصلح ذات بينهم (^٢) مستخدمة في ذلك الجدل والمناظرات الكلامية.
وهذا العامل من عوامل الظهور لفرقة المعتزلة، قد أورده عدد من المستشرقين منهم (نيللو (^٣)، مونتجمري وات (^٤)، غردية وقنواتي (^٥)، هاملتون الإنجليزي (^٦» حيث يرون أن المعتزلة قد وقفوا على الحياد بين أهل السنة والجماعة وبين الخوارج، على يد واصل بن عطاء وشكلوا حزبًا ثالثًا، فقالوا بالمنزلة بين المنزلتين (^٧).
٢ - التيارات الدينية غير الإسلامية:
يرى المستشرق (هنري كوربان) أن التيارات الدينية غير الإسلامية قد ساهمت في تبلور الفكر المعتزلي، من خلال تفاعلهم وموقفهم العام من الجماعات غير المسلمة التي تكونت داخل المجتمع الإسلامي، كالإثنينية (^٨)، والمزدكية (^٩)، واليهودية، ويستدلون على ذلك بما ذكره صاحب الأغاني من أن واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد، كانا يحضران في بيت أحد الأزديين مجالس يدافع فيها الحاضرون عن العقيدة الثنوية، وأن بعض آراء المعتزلة كالقول بالتوحيد وخلق القرآن إنما كانت ردة فعل لتثليث النصارى وتجسيد الإله (^١٠).
_________
(^١) انظر: الانتصار: ١٦٤، العقائد النسفية: ١١٩.
(^٢) انظر: مروج الذهب ١/ ٧١، ٦/ ٢٤، مقدمة الانتصار: ٥١، المعتزلة (جار الله): ٢٤ - ٢٨.
(^٣) انظر: دائرة المعارف الإسلامية ٣٠/ ٩٣٨٤، التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، بحوث في المعتزلة (نيللو): ١٩\ ٨١، ١٩٠، ١٩١.
(^٤) انظر: التاريخ السياسي للمعتزلة، د. عبدالرحمن سالم: ١٣١.
(^٥) انظر: فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحية، لويس غردية وج قنواتي، ترجمة: د. صبحي الصالح وآخر، وانظر: التاريخ السياسي للمعتزلة، د. عبدالرحمن سالم: ١٣١.
(^٦) انظر: تاريخ المعتزلة وفكرهم وعقائدهم، د. فالح الربيعي: ١٩.
(^٧) انظر: دائرة المعارف الإسلامية ٨/ ٢٤٠٠، فلسفة الفكر الديني ٣/ ١٤٩.
(^٨) الاثنينية: هم أصحاب الاثنين الأزليين، يزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان بخلاف المجوس، فإنهم قالوا بحدوث الظلام، وهؤلاء قالوا: بتساويهما في القدم، واختلافهما في الجوهر والطبع والفعل والحيز والمكان والأجناس والأبدان والأرواح. انظر: الملل والنحل ١/ ٢٩٠.
(^٩) المزدكية من الثنوية: أصحاب مزدك، الزنديق، الذي كان إباحيًا يقول باستباحة أموال الناس وأنها فيء، والأشياء كلها ملك لله مشاع بين الناس. انظر: الملل والنحل ١/ ٢٩٤، فهرست ابن النديم: ٢٧٩.
(^١٠) انظر: تاريخ الفلسفة في الإسلام (هنري كوريان): ١٨٦.
1 / 12
٣ - دراسة الفلسفة اليونانية بزعم الدفاع عن الدين الإسلامي
لقد ساهمت الفلسفة اليونانية في نمو الفكر الاعتزالي وتطوره، حيث استخدمت المعتزلة الفلسفة لتكوين عقيدة الألوهية (^١) ومن ثم تدرجت في الأخذ بمنهاج فلاسفة اليونان، والبحث في الصفات الإلهية (^٢) فدرس رجال المعتزلة الفلسفة، وتأثروا بها كثيرًا نظرًا لاعتمادها على العقل، وقد أشار لذلك المستشرقون كما جاء في دائرة المعارف، حيث نصت على أن المعتزلة كانوا أكثر الفرق اتصالًا بالفلسفة اليونانية، وأكثرهم إفادة منها؛ اضطرهم لذلك ما انتدبوا أنفسهم له من الحجاج عن الدين وعقائده، والرد على المخالفين من أصحاب الملل الأخرى (^٣).
يقول فون كريمر: إن المعتزلة في نشأتهم تأثروا باللاهوت اليوناني، وعلى الأخص تأثروا بيحيى الدمشقي وتلميذه تيو دور أبي قرة (^٤).
ويرى شتيتر أن الاعتزال في آخر تطوراته قد تأثر كثيرًا بالفلسفة اليونانية (^٥).
بل يرى هاملتون أن المعتزلة كانوا يصبون عقائدهم في قوالب الأفكار اليونانية، ويستوحون تأملاتهم الدينية من الميتافيزيقيا - ما وراء الطبيعة- اليونانية بدلًا من القرآن (^٦)، وهذا غير مقبول، فالمعتزلة مسلمون تأثروا باليونان وليسوا يونانيين تأثروا بالإسلام.
_________
(^١) انظر: التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية: ٨٣.
(^٢) انظر: الإسلام كبديل (هوفمان): ٤٩.
(^٣) انظر: دائرة المعارف الإسلامية ٨/ ٢٤٠٠.
(^٤) انظر: أدب المعتزلة: ١١٤.
(^٥) انظر: المرجع السابق: ١١٤.
(^٦) انظر: المرجع السابق: ١١٥.
1 / 13
المبحث الثالث: أعلام المعتزلة
تمهيد:
يقرر المستشرقان (لويس غاردية وجورج قنواتي) بأن المعتزلة فرق كثيرة تحتلف في بعض التفاصيل والجزئيات، وأنه لم يقع إجماع على مذهب واحد في حقائق العقيدة كلها بين أئمة المعتزلة (^١) إلا أنه تجمعها خمسة أصول، هي (التوحيد، العدل، الوعد والوعيد، المنزلة بين المنزلتين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وليس يستحق أحد اسم الاعتزال حتى يجمع القول بهذه الأصول الخمسة (^٢).
ويرى المستشرق (فنسنك الهولندي) بأن المذهب الاعتزالي قد انقسم إلى طائفتين، معتزلة البصرة ومعتزلة بغداد، دون أن يعني ذلك انتماءً جغرافيًا حقًا، بل اصطلاحيًا، والمعتزلة ينقسمون إلى معتزلة متقدمون ومعتزلة متأخرون، وبهذا تنقسم المعتزلة إلى أربع فرق كلامية (^٣).
ويذكر المستشرقان (لويس غاردية وجورج قنواتي) بعض أعلام المعتزلة، فيذكر أن من معتزلة البصرة (العلاف، النظام، الجاحظ) ومن معتزلة بغداد (بشر بن المعتمر، أبو موسى المردار، ثمامة بن الأشرس، أحمد بن أبي داؤد) وأنهم جميعًا كانوا مندفعين بروح واحدة، ويؤكدان بأن المؤرخين والمصنفين في الفرق لم يخطئوا إذ ردوا إلى الأصول الخمسة كل ما كان يميز هؤلاء العلماء (^٤).
ومن النقاط التي يذكرها المستشرقون عن أعلام المعتزلة:
أ- مؤسس مذهب المعتزلة:
يقرر المستشرق (فنسنك) بأن مؤسس المعتزلة هو واصل بن عطا - أبو حذيفة - الغزال (^٥)، وأنه رأس فرقة المعتزلة وأنه ولد سنة ثمانين للهجرة وتوفي سنة مائة وإحدى وثلاثين للهجرة، وهو شيخ المعتزلة وقديمها (^٦).
ويعده المستشرق (جولد زيهر) بأنه هو وعمرو بن عبيد مؤسسي مذهب المعتزلة (^٧) والذين ارتبط بهما اسم (المعتزلة السياسية) (^٨).
_________
(^١) انظر: فلسفة الفكر الديني ١/ ٨٠.
(^٢) انظر: موجز دائرة المعارف الإسلامية ٨/ ٢٣٩٨.
(^٣) انظر: المعتزلة (د. جمرت) ضمن موجز دائرة المعارف الإسلامية ٣٠/ ٩٣٨٦.
(^٤) انظر: فلسفة الفكر الديني ١/ ٨٠ - ٨١.
(^٥) انظر: واصل بن عطاء (فنسنك) ضمن موجز دائرة المعارف الإسلامية ٣٢/ ١٠١٠٩.
(^٦) انظر: موجز دائرة المعارف الإسلامية ٨/ ٢٣٩٨.
(^٧) انظر: العقيدة والشريعة: ١٠١.
(^٨) انظر: علم الكلام (ل جاردية) ضمن موجز دائرة المعارف الإسلامية ٢٤/ ٧٣٧١.
1 / 14
ب- ادعاء أن هناك تجنيًا على مذهب أبي الهذيل العلاف:
يرى المستشرق (نيبرج) بأن مذهب أبي الهذيل العلاف قد تعرض لتجنٍ من قبل مؤرخي الفرق، حيث إن مذهبه في الكلام قد تعرض لحقد مرتدٍ عن الاعتزال - حسب قولهم - وهو (ابن الرواندي) المشهور، الذي شوه هذا المذهب في كتابه (فضيحة المعتزلة) وذلك بنقده في كثير من الأحيان نقدًا رخيصًا غاية في الرخص (^١)، وأن عبدالقاهر البغدادي قد نقل هذا التشويه على علاته في كتابه (الفَرْق بين الفِرَق) وهو يتردد كثيرًا في المختصرات التي كتبت عن المعتزلة (^٢).
ولا يمكن كشف القناع عن فعلة ابن الراوندي، والخروج بفكرة دقيقة عن مقاصد أبي الهذيل الحقيقية إلا من خلال كتاب (الانتصار) للخياط، الذي سل فيه سيف النقد الصارم على ابن الراوندي (^٣).
وينثي على الأشعري فيقول: إنه قد نقل في كتابه (مقالات الإسلاميين) أقوال أبي الهذيل العلاف في حيدة جديرة بالإعجاب، وفقًا للمأثور من مذهب المعتزلة (^٤).
ج- نظرتهم لبعض رجال المعتزلة:
يشكك المستشرق (لويس غاردية) في أن يكون (ضرار بن عمرو، والحسين بن محمد النجار، ومحمد بن برغوث) من المعتزلة، ويقولون: إنهم يعتبرون من (المثبتة أو أهل الإثبات) الذين من غير الميسور البتة تعريفهم بدقة، ويضيف بأنهم قد لقوا معارضة شديدة من جانب العديد من أشياع مذهب البصرة (^٥) ويصرح المستشرق (بينس) بأن: ضرار بن عمرو، ليس من رجال المعتزلة (^٦).
كما يتردد المستشرق (جولد زيهر) في جعل النظام من رجال المعتزلة فيقول إنه أبعد المعتزلة تطرفًا واستقلالًا في الرأي وأقربهم إلى الفلسفة (^٧)، وأنه يُعد من أكثر رؤوس المعتزلة انطلاقًا دون زمام (^٨). ويصفه المستشرق (بينس) بأنه يكسوا ما يأخذه بلباس الاعتزال (^٩).
ولعل المستشرقين في إطلاقهم هذا القول يريدون إيهام الناس بأن مذاهب هؤلاء القوم هي مذاهب أهل الإثبات.
؟
_________
(^١) انظر: أبو الهذيل العلاف (نيبرج) ضمن موجز دائرة المعارف الإسلامية ٢/ ٤٢٥.
(^٢) المرجع السابق ٢/ ٤٢٥.
(^٣) انظر: أبو الهذيل العلاف (نيبرج) ضمن موجز دائرة المعارف الإسلامية ٢/ ٤٢٥، من تاريخ الإلحاد في الإسلام، بدوي: ٩٠.
(^٤) انظر: أبو الهذيل العلاف (نيبرج) ضمن موجز دائرة المعارف الإسلامية ٢/ ٤٢٥.
(^٥) انظر: علم الكلان (لويس غاردية) ضمن موجز دائرة المعارف الإسلامية ٢٤/ ٧٣٧٧.
(^٦) انظر: مذهب الذرة: ٥.
(^٧) انظر: مذاهب التفسير الإسلامي: ١٨٢.
(^٨) المرجع السابق: ١٣٧.
(^٩) انظر: مذهب الذرة: ١٩.
1 / 15
د- دعوى فقدان معظم كتبهم
تقول المستشرقة (سوسنة ديفلد): إن مصنفات المعتزلة قد ضاع أكثرها، لذا يضطر الباحث إلى استنباط مقالاتهم من كتب المجادلة والرد عليهم، ومن الكتب التي ألفها علماء السنة في مقالات الفرق الإسلامية (^١)، ويذكر المستشرق (شارل بلا الفرنسي) بأنه لا يمكن معرفة المذهب بدقة بسبب هذا الفقدان وانعدام الكتب - الذي كان عن قصد حين انتصر مذهب السنة آخر الأمر على مذهب المعتزلة- (^٢).
ويذهب المستشرق (بينس) إلى القول بأنه قد كان لدى المعتزلة مجموعة أفكار فلسفية لا تتصل بالدين، وقد غيروها لتلائم ما قصدوا إليه من الدفاع عن أنفسهم والانتصار لمذهبهم، ثم جاء خصومهم فاستغلوا طريقة الإلزام في الرد على هذه المذاهب حين استخرجوا منها صورًا متطرفة باطلة (^٣).
والسؤال الذي ينبغي أن يطرح: ما الكتب التي فقدت؟ وهل ما كان فيها يختلف عما ذكره أهل العلم الثقات عن مذهب المعتزلة؟ فمؤرخوا الفرق الإسلاميين أقرب عهدًا لأصحاب الفرق من المستشرقين، فليس من المنهجية العلمية ولا من الناحية العقلية أن أُخطّئ الذي عاصر بعض أصحاب تلك المقالات، وأصوب المستشرق الذي نظر في الكتب بعد قرون مرت على وفاة أصحاب تلك المقالات.
هـ- الثناء على أعلام المعتزلة
يبالغ المستشرقون في الثناء على أعلام المعتزلة بشكل مفرط فيه، فيقول المستشرق (جولد زيهر): إن واصل بن عطاء مؤسس المذهب الاعتزالي، جعلته السير زاهدًا من الزهاد أمكن أن يقال في رثائه (إنه لم يقبض في حياته دينارًا أو درهمًا) (^٤)، وأن عمرو بن عبيد من الزهاد، وقد كان يمضي ليالي في الصلاة، وحج مكة أربعين حجة ماشيًا، وكان يظهر دائمًا كاسف البال، حزينًا مهمومًا، كمن عاد من دفن نفر من أقربائه (^٥). وأن ما وصل من آثار تدل على ورعه وزهده لا يدل على نزعة للمذاهب العقلية (^٦).
ويقول (نيبرج) عن أبي الهذيل العلاف بأنه: هو فيلسوف الاعتزال والمنظر له، وهو أول من خاض المناظرات التي قامت في عصره، وكان مستعدًا لذلك استعدادًا فائقًا بفضل عقله الفلسفي ورجاحة تفكيره وفصاحته، حتى أصبح المدافع عن الإسلام ضد الأديان الأخرى، وضد التيارات الفكرية الكبيرة للعصر السابق (^٧) ويصفه (د. جمرت) بأنه قد اشتهر بحسن الجدل والمناظرة (^٨).
وهذا الثناء المبالغ فيه على رجال المعتزلة ملاحظ بشكل بارز لدى المستشرقين، حيث إنهم يركزون على إبراز الجوانب التي يمكن حملها على النواحي الإيجابية والثناء بشكل مستمر على رجال المعتزلة، وتلمس الأعذار لهم، وكل هذا للتلبيس على الناس، وإظهارهم بصورة حسنة أمام الناس، وأن من اتصفوا بهذه الصفات لا يمكن أن تصدر منهم أقوال بحسب ما يذكره عنهم أهل السنة، مما يؤدي إلى الشك في مصداقية أهل السنة عند نقدهم للآخرين وبيان أفكارهم.
؟
_________
(^١) انظر: مقدمة تحقيق طبقات المعتزلة (سوسنة ديفل - فلزر): ط.
(^٢) انظر: الجاحظ (شال بلا) ضمن موجز دائرة المعارف الإسلامية ٩/ ٢٦٠٨.
(^٣) انظر: مذهب الذرة: ٢٠.
(^٤) انظر: العقيدة والشريعة: ١٠١.
(^٥) المرجع السابق: ١٠١.
(^٦) المرجع السابق: ١٠١.
(^٧) انظر: موجز دائرة المعارف الإسلامية ٢/ ٤٢١.
(^٨) المرجع السابق ٣٠/ ٩٣٨٨ - ٩٣٨٩.
1 / 16
الفصل الثاني: موقف المستشرقين من مصادر التلقي عند المعتزلة
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: القرآن الكريم.
المبحث الثاني: السنة النبوية.
المبحث الثالث: العقل.
1 / 17
المبحث الأول: القرآن الكريم
موقف المعتزلة من القرآن الكريم:
من منهج المعتزلة في الاستدلال تقديم العقل على النقل، ويقولون بوجوب تأويل ظاهر النص بما يتفق مع معطيات العقل وحججه، حيث اعتبروا أن هناك ثلاث حجج احتج بها المعبود على العباد، وهي: العقل، والكتاب، والرسول. فجاءت حجة العقل بمعرفة المعبود، وجاءت حجة الكتاب بمعرفة التعبد، وجاءت حجة الرسول بمعرفة العباد، والعقل أصل الحجتين الأخيرتين لأنهما عرفا به ولم يعرف بهما (^١)، فجعلوا بذلك العقل حاكما على الكتاب والسنة، فما وافق العقل عندهم قُبِل، وما خالفه رد. وسيأتي الكلام على العقل في المبحث الثالث من هذا الفصل.
موقف المستشرقين من القرآن الكريم
يؤمن المسلمون جميعًا إيمانًا مطلقًا ويقرون إقرارًا تامًا بأن مصدر القرآن الكريم هو الله ﷾، وأنه نزل به جبريل ﵇ على النبي ﷺ أثناء مدة بعثته، وأنه خاتم الأنبياء.
إلا أن المستشرقين يتهمون الإسلام بأن شرائعه قد تأسست من شرائع الأديان السابقة له (^٢)، فهذا المستشرق (ج. د. بيروسون) لا يؤمن بالمصدر الإلهي للقرآن الكريم ويجتهد في بيان أن هناك عددًا من المصادر، أثرت على النبي ﷺ وكونت لديه مادة القرآن الكريم، والحجة في ذلك عنده: أن تحليل النص القرآني يُظهر تعقيدًا شديدًا لمسألة ارتباط القرآن الكريم بنبوة محمد ﷺ، إذ لا توجد أي إشارة إلى مصدر الوحي أو صيغة المتكلم وبالذات في السور المكية (^٣) مما يجعلهم يقدحون في صحة نبوة النبي ﷺ إذ إثبات المصدر الإلهي للقرآن الكريم يرتبط ارتباطًا جذريًا بإقرار النبوة، وإنكار النبوة يفضي إلى القول ببشرية القرآن الكريم، وهو ما يسعى إليه المستشرقون (^٤).
ويتهم المستشرق (جولد زيهر) الرسول ﷺ بأنه خلال النصف الأول من حياته اضطرته مشاغله إلى الاتصال بأوساط استقى منها أفكارًا أخذ يجترّها في قرارة نفسه وهو منطوٍ في تأملاته
_________
(^١) انظر: كتاب أصول العدل والتوحيد، للقاسم الرسي ١/ ٩٦ (ضمن موجز رسائل العدل والتوحيد).
(^٢) انظر: مجلة حضارة الإسلام، العدد ٣، جمادى الأولى ١٣٩٦ هـ، شبهات مثارة حول الإسلام وعقيدته وحضارته، مقال للأستاذ أنور الجندي.
(^٣) انظر: القرآن الكريم (بيروسون) ضمن موجز دائرة المعارف الإسلامية ٢٦/ ٨١٦٦ - ٨١٦٧.
(^٤) انظر: القرآن والمستشرقون: ٢٦، ضمن موجز مناهج المستشرقين في الدراسات الإسلامية ١/ ٢٦.
1 / 19
أثناء عزلته، ولميل إدراكه وشعوره للتأملات المجردة والتي يلمح فيها أثر حالته المرضية، نراه ينساق ضد العقلية الدينية والأخلاقية لقومه الأقربين والأبعدين، فأخذ يشكوا من اضطهاد الفقراء، وطمع الأغنياء، وسوء المعاملة، وعدم المبالاة بالصالح العام وواجبات الحياة الإنسانية والأشياء الفاضلة الباقية التي تقابل هذه الحياة الدنيا الزائلة ومتاعها فتملكه شعور يدعوه بقوة تزداد شيئًا فشيئًا ليذهب إلى قومه منذرًا إياهم بما يؤدي بهم إلى الخسران المبين، وبكلمة واحدة أحس بقوة لا يستطيع لها مقاومة، تدفعه لأن يكون مربيًا لشعبه (^١)، ثم يؤكد هذا المستشرق بأن كل ما جاء به النبي ﷺ من أمور اليوم الآخر ليس إلا مجموعة موارد استقاها من الخارج يقينًا، وأنه قد استفاد من العهد القديم على وجه التحديد في مسائل قصص النبيين، ليُذكّر على سبيل الإنذار والتمثيل، بمصير الأمم السالفة الذين سخروا من رسلهم (^٢).
ويرى المستشرق (مونتغمري وات) أن السور القرآنية الأولى التي تتحدث عن الوحدانية تضع القرآن في مرتبة الوحدانية اليهودية النصرانية نظرًا لمفاهيمه عن الله الخالق، ويوم البعث والحساب، أما السور القرآنية الأخيرة فإنها تقترب كثيرًا من التعاليم الإنجيلية القديم منها والحديث، وفي نفس الوقت ينفي معرفة النبي ﷺ بالكتابة والقراءة، خلافًا لغيره من المستشرقين، كما ينفي الاطلاع المباشر للنبي ﷺ على الكتب المقدسة لليهود ووالنصارى، إلا أنه لا يستبعد وصول تعاليمها إليه شفاهًا.
وزعم المستشرق (كليمان هوار الفرنسي) أنه قد اكتشف مصدرًا جديدًا للقرآن الكريم، وهو شعر أمية بن أبي الصلت الجاهلي، وحجته هي التشابه الكبير بينهما في الوحدانية ووصف الآخرة وقصص أنبياء العرب القدماء، ثم زعم أن النبي ﷺ قد استعان بذلك الشعر في نظم القرآن، وأن هذه الاستعانة حملت المسلمين على مقاومة شعر أمية ومحوه ليستأثر القرآن بالجدة وليصبح النبي ﷺ هو المنفرد بتلقي الوحي من السماء (^٣)، وقد أورد بعض المستشرقين أبياتًا لامرئ القيس فيها ذكر (دنت الساعة وانشق القمر) كدليل على أن شعر أمية وامرئ القيس يشكلان مصدرًا من مصادر القرآن (^٤).
_________
(^١) انظر: العقيدة والشريعة: ١٣ - ١٤.
(^٢) المرجع السابق: ١٤ - ١٥.
(^٣) انظز: القرآن والمستشرقون، د. التهامي نقرة، ضمن موجز مناهج المستشرقين في الدراسات العربية والإسلامية ١/ ٣٣.
(^٤) انظر: المرجع السابق ١/ ٣٤.
1 / 20
المبحث الثاني: السنة النبوية
السنة الصحيحة هي المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم، ومنزلتها منه أنها مبينة وشارحة له: تفصل مجمله، وتوضح مشكله، وتقيد مطلقه، وتخصص عامه، وتبسط ما فيه من إيجاز (^١)، قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (^٢)، وهي بهذه الصفة لها حجيتها ويجب العمل بمقتضاها.
ولتأكُّد المستشرقين من أن هذا المصدر، هو المصدر الثاني للشريعة الإسلامية، فإنهم ما فتئوا يثيرون الشكوك والشبهات حوله، ليقينهم بأنهم لن يصلوا إلى مقصودهم إلا إذا هُدم هذا المصدر، لأن أي طعن في سنة الرسول ﷺ وسيرته، سيكون طعنًا في الإسلام، وهدمًا للكيان الإسلامي عقيدة وعملًا.
ولقد نال رضاهم المنهج المعظم للعقل - على حساب الكتاب والسنة - الذي انتهجه المعتزلة (^٣) فأشادوا بالمعتزلة، وبمواقفهم من القرآن والسنة وأطلقوا عليهم اسم المفكرين الأحرار في الإسلام، ودعاة الحرية الفكرية والاستنارة، ووصفهم المستشرق (جولد زيهر) بأنهم وسعوا معين المعرفة الدينية، بأن أدخلوا فيها عنصرًا مهمًا آخر، وهو العقل الذي كان حتى ذلك الحين مبعدًا بشدة عن هذه الناحية (^٤).
السنة عند المعتزلة:
لقد ذهب المعتزلة في تقدير العقل بعيدًا، فقالوا: إذا تعارض النقل والعقل وجب تقديم العقل لأنه أساس النقل، وكان موقفهم من الأحاديث موقف المتشكك في صحة الحديث، وأحيانًا موقف المنكر له أو المؤول له، لأنهم يحكمون العقل في الحديث لا الحديث في العقل (^٥).
وقالوا: إن خبر الواحد لا يؤخذ به في أصول العلم (^٦)، وذموا تعلم الحديث وحذروا من تعلمه، وقللوا من فائدته والاستدلال به، ونصوا على أنه لا حاجة إليه، إذ العقول تغني عنه والأذهان تكتفي بغيره (^٧).
_________
(^١) انظر: دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين: ١٠.
(^٢) النحل: ٤٤.
(^٣) انظر: فضل الاعتزال: ١٣٩.
(^٤) انظر: العقيدة والشريعة: ٨٩ - ٩١، موقف المعتزلة من السنة النبوية: ٧٤ - ٧٨.
(^٥) انظر: المعتزلة في بغداد: ٩٨ - ٩٩. شرح الأصول الخمسة للقاضي عبدالجبار: ٢٦٩.
(^٦) انظر: الانتصار للخياط: ٦٨، شرح الأصول الخمسة: ٢٦٩.
(^٧) انظر: موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية ١/ ١٢٣.
1 / 21
مفهوم السنة عند المستشرقين:
يرى المستشرق (جولد زيهر) أن كلمة (السنة) مصطلح وثني في أصله، وأن الإسلام تبناه واقتبسبه (^١).
ويرى المستشرق (شاخت الألماني) بأن السنة هي المثل في سلوك النبي ﷺ، ويقول بأن الشافعي كان يستعملها بهذا المعنى (^٢).
وتعرفها دائرة المعارف بأنها فعل النبي ﷺ وقوله وتقريره، ويطلقون عليها (التقليد المحمدي) (^٣).
ويرى المستشرق (مارغليوث) أن مفهوم السنة كمصدر للتشريع كان في بداية الأمر بمعنى الأمر المثالي في المجتمع، وانحصر مفهومه في الفترة المتأخرة فقط في أفعال النبي ﷺ (^٤)، وله مفهوم خاص في معنى كلمة (السنة)، حيث يرى أن كلمة (السنة) قد استعملت في معان عديدة منها، واستدل على المعاني التي ذكرها باستخدمات الناس لهذه الكلمة في فترات مختلفة من خلال نصوص أوردها لاستخدامات كلمة (السنة) من خلال تاريخ الطبري.
وكل هذه النصوص التي جاء بها المستشرق (مارغليوث) أراد بها التأكيد على أن معنى كلمة (السنة) التي هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي لم يكن محددًا وواضح المعنى وأن كل ما يمكن الوصول له هو أن السنة هي ما كان عرفًا معمولًا به في البيئة.
_________
(^١) انظر: دراسات في الحديث ٢/ ٥ - ٦.
(^٢) انظر: نقد الخطاب الاستشراقي ١/ ٤٣١.
(^٣) انظر: دائرة المعارف الإسلامية ١٩/ ٥٩٠٣، ١١/ ٣٤٩٦.
(^٤) انظر: دراسات في الحديث ٢/ ٦.
1 / 22