ولكن الملاحظ أن ابن فارس في كتابه "الصاحبي" على الرغم من إعادته، وتكريره بعض ما قاله في "ذم الخطأ في الشعر" - يبدو أكثر رفقًا وأقل حدة في موقفه من الضرورة فهو قد أكّد عدم عصمة الشعراء من الخطأ١. ولكنه لم ينكر الضرورة على الإطلاق، فما عدّه النحاة ضرورة قسّمه ابن فارس في هذا الكتاب إلى ثلاثة أقسام٢:
الأول: ما يباح للشعراء دون غيرهم كقصر الممدود، والتقديم، والتأخير، والاختلاس، والاستعارة. فأما اللحن في الإعراب أو إزالة كلمة عن نهج الصواب فليس لهم ذلك٣.
الثاني: ما يُعدُّ من خصائص العربية، ومظهرًا من مظاهر الافتنان فيها، ويسميه ابن فارس بأسماء مختلفة كالبسط، والقبض، والإضمار. ولعله في مثل هذا ينظر إلى اللهجات المختلفة. وهذا ما دعاه إلى عدم القول بأنها ضرورة أو من خصائص الشعر. كقول الشاعر٤:
محمد تفد نفسك كل نفس-إذا ما خفت من أمرٍ تَبالا٥
وهذا مما يعدّه النحاة ضرورة.