186

Al-ʿazf ʿalā anwār al-dhikr

العزف على أنوار الذكر

Genres

وإذا كانت عقولنا لا تسع ذلك من أن يكون حقيقة مشهورة فى عالمنا الأرضيّ، فعقولنا ليس فى مقدروها أن تسع الكون كله من قبل ومن بعد حسية ومعنوية ملكه وملكوته، ولا يصلح الادراك العقليّ فى الإنسان معيارَ الحقيقة والمجاز فى بيان الله ﷻ دون ملاحظة كماله.
ومجمل الأمر فى هذا أن كل ما كان من صفات الله ﷾ وأفعاله، وما كان من عالم الغيب الذى لا يطلع عليه البشر أو ما هو من عالم اليوم الآخر والمعيشة والنار أو من علم حقائق الكون التى لم يكشف العلم الغطاء عنها حتى يومنا هذا، فإن الذى هو حميد عندى ألا يجعل من باب التصوير المجازى فان القرآن الكريم والسنة المطهرة قد هديا إلى ذلك:
يقول الحق ﷻ: ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (فصلت:٢٠)
فهذه آية بيّنةٌ قاهرة على أن الشهادة حقيقة وأن النطق حقيقة مطلقة.
وقوله ﷾: ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾ (الاسراء:٩٧)
فلما كان هذا يحتمل أن يكون كناية عن الإسراع بهم إلى جهنم من قول العرب: قد مر القوم على وجوههم إذا أسرعوا ويحتمل أن يكون على سبيل الحقيقة سأل الصحابة ﵃ النبى ﷺ عن ذلك فقال لهم:
«إنَّ الذى أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم، أما إنهم يتقون بوجوههم كلّ حدبٍ وشوك»
(الترمذي - ك: تفسير القرآن وأحمد في مسنده:مسند أبي هريرة) .

1 / 186