وتأمل: فإنَّ الدنيا قد فتحت في خلافة عمر ﵁ فلم يغيِّر المسجد عن بنيانه الذي كان عليه في عهد النبي- ﷺ، ثم جاء الأمر إلى عثمان- رضى الله عنه -، والمال في زمانه أكثر، فلم يزد أن جعل في مكان اللبن حجارة وقصَّة، وسقفه بالساج مكان الجريد، فلم يُقصر هو وعمر عن البلوغ في تشييده إلى أبلغ الغايات إلا عن علم منهما عن الرسول ﷺ -بكراهة ذلك، وليقتدى بهما في الأخذ من الدنيا بالقصد والكفاية، والزهد فى معالي أمورها وإيثار البلغة منها. (١)
(١) قال الألباني: نحن لما كنا في دمشق رأينا المسجد الأموي كعبة الأوربيين والأمريكيين نساءً ورجالًا، لماذا؟ ليصلوا، ليهتدوا؟ لا، لم يكن شيء من هذا، وإنما يتفرجوا على الفسيفساء وعلى النقوش التى نقشت في زمن بني أمية، فالمساجد كما قال عمر ﵁ لما جدَّد المسجد النبوي، قال للبَنَّاء: ... «أكِنَّ الناس من الحر والقر، ولا تحمِّر ولا تصفِّر».رضى الله عن عمر، لو جاء اليوم ورأى مسجد «الفيحاء» لرأى العجب العجاب، لرأى أنَّ خبر عبد الله بن عباس تحقق فعلًا ممَّا يدل على أنه تلقَّى ما قاله لفظًا من نبيه معنىً أو لفظًا، حيث جاء في سنن أبى داود بالسند القوى عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله ﵌: «ما أمرت بتشييد المساجد» ... أي: رفع بنيانها، كما قال في القرآن: ﴿وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ قال ابن عباس معقبًا على الحديث: «لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى»، وزخرفة اليهود والنصارى قد دخلت مساجد المسلمين اليوم،، ودخول الزخارف إلى المساجد أغرق في الإنكار من دخول الصور إلى البيوت؛ ذلك لأننا اتخذنا المعصية عبادة وتقربًا إلى الله. ا. هـ وانظر الثمر المستطاب (١/ ٤٦٥)
1 / 146