The Methodology of Sheikh Al-Islam Muhammad Ibn Abdul-Wahhab in Authorship
منهج شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في التأليف
Publisher
*
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢٥هـ/٢٠٠٤م
Genres
منهج شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في التأليف
إعداد: عبد المحسن بن حمد العباد البدر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالَمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أمَّا بعد، فإنَّ الكتابةَ والتأليف عن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ﵀ جوانبها كثيرة متعدِّدة، وهذه المحاضرة عن جانب منها، وهو منهجه ﵀ في التأليف١، وقبل الدخول في الموضوع أذكر بين يديه لَمحات قصيرة عن الشيخ ﵀ ودعوته.
الأولى: الشيخ الإمام هو محمد بن عبد الوهاب ابن سليمان بن علي التميمي، وُلد في (١١١٥هـ)،
_________
١ محاضرة ألقيت ليلة الجمعة ٢١ - ١ - ١٤٢٥هـ في جامع إمام الدعوة بالرياض التابع لوقف السلام الخيري.
1 / 3
وتوفي سنة (١٢٠٦)، من قبيلة بني تميم الذين أخبر الرسول ﷺ أنَّهم أشدُّ الناس على الدَّجَّال، أخرجه البخاري (٢٥٤٣)، وهو دالٌّ على استمرار بقاء هذه القبيلة حتى زمن الدجَّال، وأنَّهم أشدُّ الناس عليه، وكما كانت هذه القبيلة في آخر الزمان أشدَّ الناس على الدجَّال الأعظم، فإنَّ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وأبناءه وأحفاده وتلاميذه وتلاميذهم وتلاميذ تلاميذهم من أشدِّ الناس على الدجَّالين الذين ظهروا في أزمانهم من أهل الزيغ والضلال.
الثانية: أنَّ الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀ من الأئمَّة المجدِّدين الذين أظهر الله بهم الدِّين ونصر بهم الحقَّ في القرن الثاني عشر من الهجرة وما بعده، وهو نعمة من الله ﷿، أنعم بها على الجزيرة العربية وغيرها، حيث قُضي في بلاد
1 / 4
اليمامة وما تبعها من البلاد على مظاهر الشرك والبدع، وظهر فيها التوحيد، وقد كانت تلك البلاد قبل زمن الشيخ ﵀ لا تختلف عن البلاد الأخرى، التي لا تزال مفتونة بأصحاب القبور ودعائهم وطلب الحاجات منهم، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين في هذه البلاد وغيرها أحسن جزاءٍ، وأثابه أتمَّ مثوبة.
الثالثة: دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀ مبنيَّةٌ على اتِّباع الكتاب والسنَّة والسير على ما كان عليه سلف الأمَّة من أصحاب رسول الله ﷺ ومن تبعهم بإحسان، ولَم يأت بشيء جديد يخالف ذلك، ولهذا فلا توصَف دعوته ومَن استفاد منها بالوهابية؛ لأنَّ النِّسَب إلى الأشخاص إنَّما تكون لِمَن أتى بشيء جديد، وهو لَم يأت بشيء جديد، وإنَّما يلمزهم بالوهابية
1 / 5
بعض الذين لَم يُوفَّقوا لسلوك المسلك القويم والصراط المستقيم؛ تنفيرًا من الاستفادة بهذه الدعوة المباركة، المبنيَّة على الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمَّة.
الرابعة: ومن أعظم الآثار الحميدة لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀ المبنيَّة على الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمَّة، قيام دولة على هذا الأساس، أول إمام فيها الإمام محمد بن سعود ﵀ الذي ناصر الشيخ الإمام، وحكَّم شرعَ الله في ولايته، واستمرَّت الولاية في هذه الأسرة إلى عصرنا هذا، وقد مضى عليها ما يقرب من ثلاثة قرون، ومن المعلوم أنَّ استمرار هذا البقاء لهذه الدولة في تلك القرون سببُه القوي بتوفيق الله الاستفادة من هذه الدعوة المباركة المبنيَّة على تحكيم الشرع واتِّباع الكتاب
1 / 6
والسنَّة، وهو السبب الأقوى لاستمرارها في المستقبل، ثبَّتها الله على هذا الحقِّ، وأعانها على القيام به على الوجه الذي يرضيه ﷾.
ومن محاسن الدولة السعودية الحاضرة اهتمامها بالمشتغلين بالعلم من أحفاد الشيخ الإمام وإسناد ولايات الإفتاء والقضاء والدعوة والإرشاد إليهم.
وقد نشأت دعوات حديثة لم تقم على منهج صحيح وطريقة سليمة، اشتدَّ حرصُ أصحابها على الظفر بولاية ولم يفرحوا بها، بخلاف هذه الدولة التي مكَّنها الله في الأرض لِمَا قامت عليه من الحقِّ والهدى، ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾، وقد قال الله ﷿: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ .
1 / 7
الخامسة: أنَّ من الحاقدين على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀ مَن يحمل بعض الأحاديث الواردة في الفتن التي فيها أنَّ نجدًا فيها الزلازل والفتن، وأنَّ منها يطلع قرنُ الشيطان، من الحاقدين مَن يحملها على اليمامة، التي اشتهرت في الأزمان المتأخرة باسم نجد؛ لصدِّ الناس عن الاستفادة من هذه الدعوة المباركة، وما يزعمونه من ذلك الحمل باطل؛ لأنَّه قد جاء في بعض الأحاديث وفي كلام أهل العلم ما يبين أنَّ المراد بها العراق، وقد ذكر الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ﵀ في تخريجه أحاديث فضائل الشام ودمشق للرَّبَعي (ص:٩ - ١٠) وفي السلسلة الصحيحة (٢٢٤٦) طرقًا لحديث عبد الله بن عمر ﵄ في ذلك، وفي بعضها ما يبيِّن المراد، وهو العراق، وقال في السلسلة الصحيحة:
1 / 8
"وإنَّما أفضتُ في تخريج هذا الحديث الصحيح وذكر طرُقه وبعض ألفاظه؛ لأنَّ بعض المبتدعة المحاربين للسنَّة والمنحرفين عن التوحيد يطعنون في الإمام محمد بن عبد الوهاب مجدد دعوة التوحيد في الجزيرة العربية، ويحملون الحديث عليه باعتباره من بلاد نجد المعروفة اليوم بهذا الاسم، وجهلوا أو تجاهلوا أنَّها ليست هي المقصودة بهذا الحديث، وإنَّما هي العراق كما دلَّ عليه أكثرُ طرق الحديث، وبذلك قال العلماء قديمًا، كالإمام الخطابي وابن حجر العسقلاني وغيرهم، وجهلوا أيضًا أنَّ كون الرجل من بعض البلاد المذمومة لا يستلزم أنَّه هو مذموم أيضًا إذا كان صالحًا في نفسه، والعكس بالعكس، فكم في مكة والمدينة والشام من فاسق وفاجر، وفي العراق من عالِم وصالح، وما أحكمَ قول سلمان الفارسي لأبي الدرداء حينما دعاه أن
1 / 9
يُهاجر من العراق إلى الشام: (أما بعد، فإنَّ الأرض المقدَّسة لا تُقدِّس احدًا، وإنَّما يُقدِّسُ الإنسانَ عملُه") .
وقال ابن حجر في الفتح (١٣/٤٧) بعد أن نقل كلامًا للخطابي: "وقال غيرُه: كان أهل المشرق يومئذ أهل كفر، فأخبر النَّبيُّ ﷺ أنَّ الفتنة تكون من تلك الناحية، فكان كما أخبر ... وأوَّل الفتن كان من قبل المشرق، فكان ذلك سببًا للفرقة بين المسلمين، وذلك مِمَّا يُحبُّه الشيطان ويفرح به، وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة، وقال الخطابي: نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجْدُه باديةَ العراق ونواحيها، وهي مشرق أهل المدينة، وأصل النجد ما ارتفع من الأرض، وهو خلاف الغور، فإنَّه ما انخفض منها، وتهامة كلها من الغور، ومكة من تهامة".
1 / 10
وقال قبل ذلك في الفتح (٦/٣٥٢) عند شرح حديث: "رأس الكفر نحو المشرق": "وفي ذلك إشارة إلى شدَّة كفر المجوس؛ لأنَّ مملكة الفرس ومن أطاعهم من العرب كانت من جهة المشرق بالنسبة إلى المدينة، وكانوا في غاية القسوة والتجبر، حتى مزَّق مَلِكُهم كتاب النَّبيِّ ﷺ كما سيأتي في موضعه، واستمرَّت الفتن من قِبَل المشرق كما سيأتي بيانه واضحًا في الفتن".
وقال النووي في شرح صحيح مسلم (٢/٣٤): "والمراد بذلك اختصاص المشرق بمزيد من تسلط الشيطان ومن الكفر، كما قال في الحديث الآخر: (رأسُ الكفر نحو المشرق)، وكان ذلك في عهده ﷺ حين قال ذلك، ويكون حين يخرج الدجَّال من المشرق، وهو فيما بين ذلك منشأ الفتن العظيمة ومثار الكفرَة الترك الغاشمة العاتية الشديدة البأس".
1 / 11
وقد مرَّ في كلام ابن حجر قريبًا أنَّ ظهور البدع كان من تلك الجهة، أي جهة المشرق، ومن أمثلة ذلك أنَّ الخوارج والشيعة والقدرية والجهمية كان خروجهم من تلك الجهة، ومجيء التتار للقضاء على الخلافة العباسية وسقوط بغداد كان من المشرق، وفي آخر الزمان خروج الدجال من تلك الجهة، فإنَّه كما جاء في صحيح مسلم (٢١٣٧) يخرج من خلة بين الشام والعراق، وفي صحيحه أيضًا (٢٩٤٤): "يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفًا عليهم الطيالسة".
وكما أنَّ تلك الجهة منشأ كثير من البدع، ومنها ظهور كثير من الشرور، فإنَّ فيها كثيرين من أهل العلم الذين ردُّوا على المبتدعة، ومنها محدِّثون وفقهاء كبار، ومن هؤلاء أصحاب الكتب الستة: محمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج
1 / 12
النيسابوري، وأبو داود السجستاني، وأبو عيسى الترمذي، وأبو عبد الرحمن النسائي، وابن ماجه القزويني، وقد ألَّف الشيخ محمد أشرف سندهو المتوفى سنة (١٣٧٣هـ) رسالة أوضح فيها ما يتعلق بهذا الموضوع، سمَّاها: "أكمل البيان في شرح حديث نجد قرن الشيطان".
الأولويات في التأليف عند الشيخ الإمام
دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀ مبنيَّةٌ على كتاب الله وسنَّة رسوله ﷺ، وبيان العقيدة السليمة المستمدَّة من هذين الينبوعَين الصافيين، ولهذا كانت الأولويات في التأليف عنده في بيان العقيدة، والعناية بمعاني كلام الله ﷿، ومعرفة أحاديث الرسول ﷺ، وبيان الأحكام الفقهية المستندة إلى النصوص الشرعية، وكان أولى
1 / 13
اهتمامه وجلُّ عنايته في إيضاح توحيد العبادة الذي أُرسلَت الرسل وأُنزلت الكتبُ من أجله، كما قال الله ﷿: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾، وقال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾، فألَّف في التوحيد كتبًا عديدة، أهمها كتاب التوحيد الذي هو حقُّ الله على العبيد، وكتاب الأصول الثلاثة وأدلتها، وكتاب كشف الشبهات.
منهجه في تأليف كتاب التوحيد
كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، هو أهمُّ وأوسع كتب الشيخ ﵀ في العقيدة، وقد اشتمل على ستة وستين بابًا، أوَّلها: باب فضل التوحيد وما يُكفِّرُ من الذنوب،
1 / 14
وآخرها: باب ما جاء في قول الله تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ الآية، وقبل الباب الأول ترجم بكتاب التوحيد، وأورد فيه خمس آيات وحديثًا وأثرًا، وهذه الآيات هي قول الله ﷿: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾، وقوله: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾، وقوله: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، وقوله: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾، وقوله: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ الآيات، وعقَّب الآيات من سورة الأنعام بأثر ابن مسعود ﵁ بشأنها، ثم أورد حديث معاذ بن جبل ﵁ المتفق على صحته في بيان حق الله على العباد وحق العباد على الله، ومن منهجه في تأليفه:
1 / 15
١ - أنَّ الكتابَ من أوَّله إلى آخره يسوق فيه الشيخ الإمام آيات وأحاديث وآثارًا عن سلف هذه الأمَّة، من الصحابة ومن بعدهم مِمَّن سار على نهجهم وطريقتهم، وصنيعه هذا شبيه بصنيع الإمام البخاري ﵀ في كتابه الجامع الصحيح، وعلى الأخصِّ كتاب التوحيد الذي هو آخر الكتب في صحيح البخاري، فإنَّ طريقةَ البخاري في ذلك أنَّه يورد آيات وأحاديث وآثارًا، وقد بلغت أبواب كتاب التوحيد من صحيح البخاري ثمانية وخمسين بابًا، أوَّلها: باب ما جاء في دعاء النَّبيِّ ﷺ أمَّته إلى توحيد الله ﵎، وقد أورد فيه حديث معاذ بن جبل ﵁ في بيان حقِّ الله على العباد وحق العباد على الله، وعدة أبواب كتاب التوحيد عند الإمام البخاري وأبواب التوحيد عند الإمام محمد بن عبد الوهاب متقاربة، وهي في
1 / 16
الصحيح ثمانية وخمسون، وعند الإمام محمد بن عبد الوهاب ستة وستون.
٢ - أنَّه عند إيراده الآيات والأحاديث والآثار يقدِّم الآيات ثم الأحاديث ثم الآثار، إلاَّ إذا كان الأثر متعلِّقًا بآية أو بحديث، فإنَّه يقدِّمه من أجل ذلك التعلق.
٣ - هذا الكتاب مشتمل على الآيات والأحاديث والآثار، وبذلك علا قدرُ الكتاب وارتفعت منزلته، وليس للشيخ ﵀ فيه كلام إلاَّ ما يورده في آخر كلِّ باب من مسائل مستنبطة من الآيات والأحاديث والآثار، وهي تدلُّ على قوة فهم الشيخ ﵀ ودقَّة استنباطه، وفيها شحذ أذهان طلاَّب العلم في معرفة المواضع التي استنبطت منها هذه المسائل.
٤ - أنَّ أبواب هذا الكتاب متضمِّنةٌ تقرير
1 / 17
التوحيد، الذي هو إفراد الله بالعبادة، والتحذير مِمَّا يُنافي أصل التوحيد، وهو الشرك بالله، أو يُنافي كمالَه، وهو الشرك الأصغر والبدع، ومن أبواب كتاب التوحيد في تقرير التوحيد باب فضل التوحيد وما يُكفِّر من الذنوب، وباب من حقق التوحيد دخل الجنة بلا حساب ولا عذاب، وباب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلاَّ الله، وباب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلاَّ الله.
ومن الأبواب فيما يُنافي أصل التوحيد وهو الشرك، باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره، وباب ما جاء في الذبح لغير الله، وباب من الشرك النذر لغير الله، وباب من الشرك الاستعاذة بغير الله، وباب قول الله تعالى: ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ الآية، وباب قول الله تعالى: ﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ .
1 / 18
ومن الأبواب فيما يُنافي كمال التوحيد وهو البدع والشرك الأصغر: باب ما جاء أنَّ سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين، وباب ما جاء من التغليظ فيمَن عبَد اللهَ عند قبر رجل صالح، فكيف إذا عَبَدَه؟! وباب ما جاء أنَّ الغلوَّ في قبور الصالحين يصيِّرها أوثانًا تُعبد من دون الله، وباب ما جاء في حماية المصطفى ﷺ جَناب التوحيد وسدّه كل طريق يوصل إلى الشرك، وباب قول: ما شاء الله وشئت.
منهجه في تأليف كتاب الأصول الثلاثة وأدلَّتها
الأصول الثلاثة التي هي موضوع هذا الكتاب هي معرفة العبد ربه ودينه ونبيّه محمدًا ﷺ، ولهذه الأصول الثلاثة أهميَّة كبرى؛ فإنَّها التي يُسأل عنها
1 / 19
الميت في قبره، فقد روى الإمام أحمد (١٨٥٣٤) بإسناد حسن عن البراء بن عازب ﵁ حديثًا طويلًا وفيه: "فيأتيه - أي المؤمن - ملَكان فيجلسانه، فيقولان له: مَن ربُّك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله ﷺ"، وفيه: "ويأتيه - أي الكافر - مَلَكان فيُجلسانه، فيقولان له: مَن ربُّك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فيقولان له: مَا دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فيقولان له: مَا هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! ".
وأيضًا فقد ورد ذكرُ هذه الثلاثة مجتمعة في بعض الأحاديث، منها ما يدلُّ على أنَّها من كمال الإيمان، وهو حديث العباس بن عبد المطلب في صحيح مسلم (٥٦) أنَّه سمع رسول الله ﷺ
1 / 20
يقول: "ذاق طعم الإيمان مَن رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا"، وفي صحيح مسلم أيضًا (١٨٨٤) عن أبي سعيد الخدري ﵁ أنَّ رسول الله ﷺ قال: "يا أبا سعيد! من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا، وجبت له الجنة" الحديث، وقد وردت أيضًا في أدعية الأذان في صحيح مسلم (٣٨٦) عن سعد بن أبي وقاص ﵁ عن رسول الله ﷺ أنَّه قال: "من قال حين يسمع الأذان: أشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، رضيتُ بالله ربًّا، وبمحمد رسولًا، وبالإسلام دينًا، غفر له ذنبه".
وهو كتاب نفيس، لا يستغني عنه الخاص والعام؛ لِمَا اشتمل عليه من بيان هذه الأصول الثلاثة وأدلتها، وقد قال فيه: "فإذا قيل لك: ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها؟
1 / 21
فقل: معرفة العبد ربه ودينه ونبيَّه محمدًا ﷺ، فإذا قيل لك: مَن ربُّك؟ فقل: ربي الله الذي ربَّاني وربَّى جميع العالَمين بنعمه، وهو معبودي ليس لي معبود سواه، والدليل قوله تعالى: ﴿الحمد لله رب العالمين﴾، وكلُّ ما سوى الله عالَم، وأنا واحد من ذلك العالَم، فإذا قيل لك: بمَ عرفتَ ربَّك؟ فقل: بآياته ومخلوقاته، ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر، ومن مخلوقاته السموات السبع والأرضون السبع ومَن فيهنَّ وما بينهما"، واستدلَّ لذلك من القرآن، ثم قال: "والربُّ هو المعبود، والدليل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
1 / 22