230

The Hereafter - Omar Abdelkafy

الدار الآخرة - عمر عبد الكافي

Genres

نعم الله على العباد الخامس: جانب النعم، فتحاسب على نعمة الإسلام ماذا عملت فيها؟ كذلك نعمة الإيمان، ونعمة التوحيد، ونعمة الصحة، ونعمة السكن، ونعمة الزوجة، ونعمة الأولاد، ونعمة المال، كل هذه نعم ستحاسب عليها، فهل استخدمتها في عصيانك لله أو استخدمتها في طاعة الله؟! أم أنك ستأخذ المال حرامًا وتقول: سأتصدق به؟ لا، إن من يتصدق بالمال الحرام كمن يغسل الثوب المتنجس بالبول، فهذا لا ينفع. ثم بعد هذا يكتمل حسابك، سواء رجحت الكفة أو خفت، ثم ينادي جبريل هنا: لقد سعد فلان ابن فلان سعادة لن يشقى بعدها أبدًا، وتخيل فرحتك أنت بهذه السعادة في هذا الوقت، فهي تختلف عن سعادتك في الدنيا التي كنت ترائي فيها المخلوقين بأعمالك، وتجعل نفسك رجلًا وقورًا ومحترمًا وقوامًا لليل وصوامًا للنهار، ورجلًا تمشي مع أهل العلم والصالحين، ورجلًا متصدقًا، ورجلًا تحل مشاكل المسلمين، وتجعل في ذهنك هذا الهم الكبير من أجل الناس، لكن انظر إلى هذه السعادة والناس كلهم يغبطونك يوم القيامة، وأنت تجري وسطهم وترفع كتابك قائلًا: ﴿هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ﴾ [الحاقة:١٩ - ٢٠]، يعني: إني أيقنت أنني سآتي إلى هذا اليوم، فكنت مستعدًا له، وأعددت نفسي ليوم الامتحان، فالله أكرمني: ﴿إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾ [الحاقة:٢٠ - ٢١]، العيشة نفسها راضية فما بالك بمن يعيش فيها؟! أصبحت العيشة راضية؛ لأنه هناك سوف ينظر العجب في الجنة بإذن الله رب العالمين! الجنة فيها العجب العجاب لا ألم ولا تعب، ولا ضيق ولا كد ولا اكتئاب، ولا ملية ولا منية، ولا بصاق ولا مخاط، ولا عرق ولا حيض، ولا نفاس ولا ولادة ولا تعب، ولا مدارس ولا فرق، ولا مشاكل ولا حكام ولا شيء من هذا الكلام كله. المسكين الذي لا يجد ما يأكل، يصبح في الجنة ملكًا عند ملك الملوك سبحانه، نعم؛ لأن الله هو الذي سيملكه، قال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ﴾ [الزمر:٧٤] حتى يقول المولى ﷿ في الجنة: (يا عبادي! إني رضيت عنكم فهل رضيتم عني؟). إذًا: الحديث عن الدار الآخرة يشجع للاستعداد للقاء الله ﷿، فإذا نادى جبريل: لقد سعد فلان سعادة يرفع كتابه وينطلق إلى أهله مسرورًا؛ لأنهم ﴿قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ﴾ [الطور:٢٦] يعني: خائفين من عذاب الله في الآخرة، فيوم القيامة يأمن من العذاب، أما الذي قال: هؤلاء هم يكذبون عليكم ويخوفونكم فيزيدون من عندهم، إن الله غفور رحيم فهم يؤلفون لنا كلامًا من عندهم، المطلوب أنك تميز بين الأوامر والنواهي فقط، فالمسألة مسألة تمييز، اتركنا يا سيدي من العلم والعلماء، افتح أنت المصحف واقرأ؛ دعنا من علم العلماء، دعنا من الدروس، دعنا من الكتب، افتح كتاب الله واقرأ ما فيه، وانتهى الأمر. والعكس! الأوامر والنواهي والذكر والشكر إن كنت مقصرًا فيها تساقطت الحسنات التي معك يأخذها أصحاب الحقوق والمظالم الذين أنت أكلت حقوقهم واغتبتهم، حتى قال أهل العلم: لو علم المغتاب ما يؤخذ منه من الثواب لكان حريًا أن يغتاب أبويه. يعني: لو أنه أراد أن يوزع الحسنات فليعطها أقرب الناس إليه أباه وأمه، فلماذا تذهب لأحد غريب؟! وقد قلنا يوم الجمعة: المغتاب إن تاب فهو آخر أهل الجنة دخولًا، وإن مات المغتاب ولم يتب فهو أول أهل النار دخولًا، يعني: المغتاب الذي تاب فهو آخر شخص يدخل الجنة، والمغتاب الذي لم يتب يكون أول شخص يدخل النار والعياذ بالله يا رب العالمين، نسأل الله السلامة لنا ولكم وللمسلمين. فإذا خفت الموازين والعياذ بالله على الشخص فإنه يخبئ كتابه ويقول: ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ﴾ [الحاقة:٢٥ - ٢٧]. قد يجد العبد وسائط في الدنيا أما في الآخرة فهل سيحن عليه أحد؟ قال: ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ﴾ [الحاقة:٢٥ - ٢٦]، يا ليتني لم أعرف الحساب هذا. ثم يقول: ﴿يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ﴾ [الحاقة:٢٧] لا يوجد أحد يقول: ارحموه، بل يقول الله: ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ﴾ [الحاقة:٣٠ - ٣١] أي: أحرقوه بالنار ﴿ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ﴾ [الحاقة:٣٢] قالوا: وما هذه السلسلة يا رسول الله؟ قال: لو وضعت منها حلقة على جبل أحد لذاب من ساعته. فكثير من الناس يرتكب الحرام، بعضهم لا يصلي والبعض يأكل الحرام، والذي يخرج امرأته عريانة، والذي بناته ذاهبات الجامعة ببنطلون وقلة أدب فهذا سوء أدب مع الله، فلابد أن أراجع حساباتي؛ لأنني سوف أقف في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، الذي جعل سيدنا عيسى يقول: يا رب! لا أسألك عن مريم بنت عمران، وسيدنا موسى يقول: أنا لا أعرف هارون، ويقول سيدنا إبراهيم: وأنا مالي ولإسماعيل؟! نفسي نفسي! كلهم يقول: نفسي نفسي.

12 / 16