The Fundamentals of the People of the Sunnah and the Community
أصول أهل السنة والجماعة
Genres
أهمية الإيمان بالقدر
الإيمان القدر من واجبات الإسلام، بل هو من أوجب واجبات الإيمان بعد الإيمان بالله ورسوله؛ ولذلك لما أتى جبريل إلى النبي ﵊ يسأله عن الإيمان قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر)، أفرد هذا بجملة مستأنفة.
قال: (وأن تؤمن بالقدر خيره وشره)، أي: أن يؤمن العبد أن الخير من عند الله، وأن الشر كذلك من عند الله ﷿.
لكن لنا وقفة مع قولنا: والشر من عند الله ﷿؛ لأن هذا أمر مشكل، خاصة مع قول النبي ﵊: (والشر ليس إليك)، وفي هذا بيان أن الشر المحض الذي لا خير فيه لا يكون من فعل الله ﷿، ولا من قدره، إنما هو من مقدورات الله ﷿، فهنا فرق بين القدر والمقدور، فالقدر كله خير، والله ﷿ شاء وقوع الزنا وشرب الخمر والقتل وغير ذلك من سائر المعاصي والمنكرات والذنوب، وإن كان الله تعالى لا يحب ذلك ولا يرضاه لعباده، بل نهاهم عنه، وأمرهم بالخير والطاعة والمعروف، ولكن كثيرًا من العباد تنكبوا طريق الطاعة، ووقعوا في طريق المعصية التي نهاهم عنها الله ﷿، لكن السؤال الآن: هل يكون في كون الله ﷿ غير ما أراد وغير ما شاء، وهل يقع فعل في الكون رغمًا عن الله ﷿؟!
الجواب
لا.
فالإرادة لنا معها كذلك موقف.
وقبل أن نبدأ في بيان هذا الأمر الخطير، نقول: إن النبي ﵊ قال: (لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر)، وأمرنا النبي ﵊ كما أمر أصحابه الكرام أننا إذا ذكر القدر نمسك عنه، وألا نخوض فيه، فالصحابة ﵃ كانوا يؤمنون حق الإيمان أن الله تعالى على كل شيء قدير، وأن الله تعالى خلق بقدرته كل شيء؛ الخير والشر، وإبليس الذي هو رأس الشر الله ﷿ هو الذي خلقه، بل إبليس عليه لعنة الله يعلم أن الهداية والضلال وأن الغواية والهدى وأن الخير والشر وأن الطاعة والمعصية وأن المعروف والمنكر كل ذلك بيد الله ﷿، إن شاء أذن في وقوعه، وإن شاء رفعه فلم يقع.
فإبليس هو الذي قال: ﴿رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾ [الحجر:٣٩]، فهو يؤمن إيمانًا جازمًا أن الغواية بيد الله ﷿، والغواية ضد الهداية، وإبليس يؤمن أن الغواية والضلال والانحراف بيد الله ﷿، لكن هذا أمر عظيم جدًا ينبغي أن يضع المرء قلبه على كل حرف يخرج في هذا الباب، وإلا فحرف واحد يخرج المرء من الهداية إلى الضلال؛ ولذلك قال علماؤنا: القدر هو تقدير الله ﷿ للأفعال، فالقدر هو التقدير كما في قوله: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر:٤٩]، وقال الله تعالى: ﴿فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ﴾ [المرسلات:٢٣]، أما القضاء فهو الحكم، ولذلك يقول أهل العلم: القضاء والقدر كالإيمان والإسلام، إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا؛ فإذا ذكر القدر كان معه القضاء، وإذا ذكر القضاء فحسب كان معه القدر، وإذا ذكر كل منهما في نص واحد فيكون للقدر معنى وللقضاء معنى آخر، فالتقدير: هو ما قدره الله ﷿ في الأزل أن يكون في قلبك، أي: ما علم الله ﷿ أن العباد له فاعلون وإليه صائرون، فلما علم الله ﷿ ذلك من عباده قبل أن يخلقهم كتبه، بمعنى: قدره، بمعنى: أن ذلك مقدور في أفعالهم وأنهم لا محالة فاعلون ذلك باختيارهم، وبإرادة الله ﷿ ومشيئته أن تقع أفعالهم مخلوقة له ﷾.
والإيمان بالقدر من أوجب الواجبات، ومرتبته في الدين أنه أحد أركان الإيمان الستة، بل هو أهمها بعد الإيمان بالله ورسوله.
6 / 3