The Fundamentals of the People of the Sunnah and the Community
أصول أهل السنة والجماعة
Genres
العصمة فيما يتعلق بالصغائر والنسيان
هناك أمور لازمة لجميع البشر لم ينج منها أحد حتى الأنبياء والمرسلون؛ كالغضب والرضا والسخط والخوف وغير ذلك، لكن هل هذا يؤثر على نبوتهم ورسالتهم، أو عصمتهم؟ الجواب بإجماع أهل السنة: لا.
فإن الأعراض البشرية الجبلية لا تنافي العصمة، فإبراهيم ﵊ أوجس في نفسه خيفة من الملائكة، وهو لا يعلم أنهم ملائكة؛ لأنهم تصوروا في صورة رجال، فلما قدم إليهم طعامًا ووجد أن أيديهم لا تمتد إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة حتى طمأنوه بأنهم رسل الله تعالى إلى لوط: ﴿فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ﴾ [هود:٧٠].
وموسى ﵇ وعد الخضر ألا يتكلم معه، وألا يتعجل أمره، وأن يصبر على كل ما يرى منه، مع أن موسى أفضل من الخضر، ولكن انظر إلى عجلة موسى ﵇ وتركه الصبر أحيانًا، ولو صبر لنقل إلينا علمًا كثيرًا كما قال نبينا ﵊، ولذلك لما اعترض في ثلاث مرات كانت الأولى نسيانًا، والثانية والثالثة -لبشاعتها فيما يرى الرائي- وعده بالفراق إن حصلت، وفي كل يقول له الخضر: ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ [الكهف:٧٥]، ولما تبين لموسى ﵇ صحة ما صدر من الخضر، وأن ذلك كان بوحي السماء، قال له الخضر: ﴿ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ [الكهف:٨٢]، يعني: أنت يا موسى لم يكن عندك من القدرة على الصبر فيما أنكرته ظاهرًا أن تلتزم بوعدك السابق، ولكنك تعجلت الأمر، وهذه هفوة لا تؤثر، ولمم لا يعكر على صفاء رسالة موسى وعلى نبوته.
وكذلك غضب موسى غضبًا شديدًا على بني إسرائيل، لما عبر بهم البحر ثم ترك معهم هارون وذهب إلى ميقات ربه في أرض سيناء عند جبل الطور، فأخبره الله ﷿ أن قومه اتخذوا العجل الذي صنعه لهم السامري، وهو رجل مشرك جمع من بني إسرائيل الذهب، وصنع لهم عجلًا جسدًا له خوار، أي: له صوت وهو صوت الريح يصدر منه إذا مر الهواء في جوف العجل، فحينئذ يجتمع عنده بنو إسرائيل فيعبدونه، فأخبر الله ﷿ موسى أن يقدم على قومه لأنهم قد صنعوا عجلًا وعبدوه من دون الله ﷿، لكن الأمر كما قال النبي ﵊: (ليس الخبر كالمعاينة)، لما أخبر موسى بذلك غضب، ولكنه لم يكن كغضبه لما أتى إلى قومه وعاين البلاء بنفسه، حينها غضب غضبًا شديدًا، وألقى الألواح التي كانت بيده ﴿وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى﴾ [الأعراف:١٥٤]، أي: كلام الله ﷿ منسوخ ومكتوب فيها، فلما رأى ذلك ألقى الألواح من يده في الأرض أو في وجه أخيه هارون، ثم أخذ بلحية أخيه يجره إليه، حتى قال هارون ﵇: ﴿ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف:١٥٠].
هذه هفوة عظيمة صدرت من موسى ﵇ أن يلقي الألواح، لكنه ما ألقاها إلا بعد أن غضب غضبًا شديدًا أفقده شيئًا من وعيه حتى يلقي كتاب الله في الأرض، ومثل هذا يعفى عنه لفرط غضبه ﵊.
وكذلك نسيان آدم، وما ترتب عليه من مخالفة أمر الله، والوقوع فيما نصحه به إبليس اللعين بزعمه، فسمى الله تعالى ذلك عصيانًا، وقال: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ [طه:١٢١].
ومن نسيان آدم أيضًا: ما جاء عن أبي هريرة ﵁ قال: قال النبي ﵊: (لما خلق الله آدم مسح ظهره، فخرج من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل منهم وبيصًا -أي: ضوءًا من نور- ثم عرضهم على آدم، فقال: أي رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك، قال: فرأى رجلًا منهم فأعجبه ما بين عينيه، فقال آدم: أي رب من هذا؟ قال: هذا رجل من ذريتك يقال له داود، قال: رب كم عمره؟ قال: ستون سنة، قال: أي رب زده من عمري أربعين، فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت، قال آدم لملك الموت: أولم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أولم تعطها ابنك داود، قال: فجحد آدم - أنكر ذلك- فجحدت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته، وخطئ آدم فخطئت ذريته)، وآدم باتفاق أهل العلم نبي من الأنبياء، فوقع في مثل هذا نسيانًا، ولذلك لم يؤاخذه الله تعالى به، وبمجرد أن تاب تاب الله ﷿ عليه.
وكذلك نبي من الأنبياء يحرق قرية من النمل بأسرها لأجل نملة قرصته، ففي الصحيح: (أن نبيًا من الأنبياء لدغته نملة، فأمر بالقرية فأحرقت بالنار، فأوحى الله إليه: فهلا نملة؟) أي: كل هذا لأجل نملة واحدة، والحديث أخرجه البخاري.
ونبينا ﵊ قد حصل له مثل هذا من النسيان و
1 / 5