The Creedal Benefits - Within 'Al-Mualimi's Works'
الفوائد العقدية - ضمن «آثار المعلمي»
Investigator
علي بن محمد العمران - نبيل بن نصار السندي
Publisher
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٤ هـ
Genres
الفوائد العقديّة
24 / 83
[شرح حديث: «خلق الله آدم على صورته»]
حديث «خلق الله آدم على صورته» (^١) يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الضمير يعود على آدم، أي أن الله تعالى خلقه على صورته التي بقي عليها إلى أن مات، أي من حيث الطول والجسامة ونحوه. فليس كذريته الذين يولد أحدهم صغيرًا ثم ينمو.
وأما كونه خُلِقَ أولًا طينًا لازبًا، ثم صلصالًا، فهذا في غير الطول والجسامة.
ولك أن تقول: إن المراد الخلق بعد نفخ الروح. فآدم عقب نفخ الروح فيه كان كاملًا، وأولاده عقب نفخ الروح أجنَّة.
الوجه الثاني: أن الحديث مختصر من حديث طويل، كما في حديث «إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه؛ فإن الله خلق آدم على صورته» (^٢).
وحديث آخر: أن النبي ﵌ مرَّ برجل يضرب ولده أو غلامه فنهاه، قائلًا: «إن الله خلق آدم على صورته» (^٣).
_________
(^١) أخرجه البخاري (٦٢٢٧)، ومسلم (٢٦١٢) من حديث أبي هريرة ﵁.
(^٢) هذه رواية مسلم السالفة.
(^٣) لم أجده بهذا اللفظ، ولعلّ المؤلف عنى حديث أبي هريرة ولفظه: «إذا ضرب أحدكم فليتجنب الوجه، ولا يقل: قبّح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، فإن الله تعالى خلق آدم على صورته» أخرجه أحمد (٧٤٢٠)، وابن حبان (٥٧١٠)، وابن خزيمة في «التوحيد» (٣٧).
24 / 85
فالضمير في الأول عائد على الوجه، وكأنَّ في الكلام حذفَ مضاف، أي: إن الله خلق وجه آدم على صورته.
وفي الثاني: على الشخص المضروب، أي إن الله خلق آدم مثله.
وقد قال قائل: إن كان المراد بذلك أنه ينبغي أن يكرم الوجه والشخص لأجل أن الله خلقه مشابهًا لخلق آدم، فكان الظاهر أن يقول: فإن الله خلق محمدًا لمزيد كرامته.
فقلت: الضرب متعلق بالجسم، ولآدم مزية جسمية لا يشاركه فيها أحد، وهو أنَّ الله خلقه بيديه، وفي «الصحيح» أنّ أهل المحشر يعدونها من مزاياه عند طلبهم منه الشفاعة (^١). فتبين أن ذكره هو الأنسب.
الوجه الثالث: أن المراد خَلَقه على صفة تقابل صفة الله ﷿. أي: فكما أن الله ﷿ عالم وقادر ومريد وسميع وبصير، فالإنسان عالم وقادر ومريد وسميع وبصير، وإن كان البون شاسعًا بين صفات الرب ــ جل وعلا ــ وصفات العبد، إلا أن الاشتراك في اللفظ يدل على مناسبة في المعنى (^٢).
ويَرِدُ عليه أمور:
_________
(^١) أخرجه البخاري (٣٣٤٠)، ومسلم (١٩٤) من حديث أبي هريرة ﵁.
(^٢) وهذا الوجه هو الذي كان عليه السلف من القرون الثلاثة، فإنه لم يكن بينهم «نزاع في أن الضمير عائد إلى الله، فإنه مستفيض من طرق متعددة عن عدد من الصحابة، وسياق الأحاديث كلها يدل على ذلك». راجع «بيان تلبيس الجهمية» (٦/ ٣٧٣ وما بعدها) لشيخ الإسلام.
24 / 86
الأول: أنه لا يظهر عليه وجهٌ لتخصيص آدم بالذّكْر، فكلُّ إنسان كذلك.
الثاني: أن المقابلة مع ما ذكر من البون الشاسع لا يظهر لها وجه.
الثالث: أنه في حديثي الضرب لا معنى للمقابلة. والظاهر أن الحديث المطلق مقتطع من أحدهما. والله أعلم (^١).
* * * *
[معنى حديث: «من رآني في النوم فقد رآني»]
الحمد لله (^٢).
ثبت في «الصحيح» (^٣) أن مَن رأى النبيَّ ﵌ في النوم فقد رآه، ومع ذلك فالإجماع منعقد أنه لا يُعْمَل بتلك الرؤيا شرعًا، ولا تُعدُّ دليلًا شرعيًّا. وقد كان هذا يُشكل عَلَيَّ كثيرًا، ولم يقنعني ما رأيت من الأجوبة عنه، والآن فتح الله تعالى بالصواب الواضح، وهو أن من يراه ﵌ فقد رآه، وذلك بالنظر إلى ذات المرئيّ، فأما الأحوال والأقوال فإنها وإن كانت حقًّا بحسب حقيقتها، وأما بحسب صورتها المرئية فلا يلزم ذلك؛ لأنها قد تكون تحتاج إلى تأويل وتعبير، ويكون تأويلها وتعبيرها يخالف صورتها المرئية، فمَنْ رأى النبيَّ ﵌ يأمره بشيء فقد رأى النبي ﵌ حقًّا، والكلام الصادر من
_________
(^١) مجموع [٤٦٥٦].
(^٢) أرَّخ المؤلف الفائدة بـ (يوم الخميس ٩ جمادى الثانية ٤٤) أي: ١٣٤٤.
(^٣) أخرجه البخاري (٦٩٩٣)، ومسلم (٢٢٦٦) من حديث أبي هريرة ﵁.
24 / 87
المرئي حق بحسب حقيقته، وأما بحسب صورته والتي هي الأمر فلا؛ لأنه قد يكون مؤوَّلًا معبرًا، فقد يكون المراد بالأمر النهي وهكذا، كما يعبر البكاء بالسرور، والضحك بالحزن، فاتضح الحق وزال الإشكال ولله الحمد.
وإذا كانت رؤيا الأنبياء ﵈ تحتاج إلى تعبير وتأويل يخالف صورتها المرئية كما في رؤيا يوسف ﵇ وبعض مرائي النبي ﵌، مع أن رؤيا الأنبياء حق قطعًا = فغيرهم من باب أولى، والله الموفق (^١).
الحمد لله.
ومثل هذا سائر الطرق التي يُستدلّ بها على المغيبات كالرمل والتنجيم والجفر والفأل و... (^٢) وتصرف الأرواح المربَّاة بالرياضة في حال اليقظة، وغير ذلك، فغالبه إشارات ورموز تحتاج إلى تأويل. ومن هذا ما يقع للمحدَّثين من هذه الأمة فغالبه من باب الإشارة والرموزِ والأمورِ الإجمالية؛ ولهذا كان إمام المحدَّثين عمر بن الخطاب قد يخطئ وينسى ويسهو ويتحيَّر في كثير من الأشياء، ولم يكن ظنه حجة، إلى غير ذلك. ومما يدل على ذلك رؤيته ﵌ ليلة الإسراء اللبن والعسل والخمر، فليست بلبن وعسلٍ وخمرٍ حقيقة، وإنما هي إشارة إلى أمور أخرى، فاللبن هو الفطرة كما ورد، وهكذا (^٣).
* * * *
_________
(^١) للمؤلف بحث مطول عن الرؤيا والاحتجاج بها ضمن كتابه «تحقيق الكلام في المسائل الثلاث» (ص ٣٢٨ وما بعدها).
(^٢) كلمة مطموسة تفشى فوقها المداد فلم تظهر. ولعلها: «الطَّرْق أو الطيرة».
(^٣) مجموع [٤٦٥٧]. وانظر رسالته في تأييد السوركتي.
24 / 88
[الرد على مَن أنكر الأسباب الظاهرة، وادّعى أن السماع محض خلق الله تعالى من غير أن يكون سببه وصول الهواء المتموِّج إلى الصماخ]
قوله (^١): «محض خلق الله تعالى».
أما كون السماع بخلق الله تعالى فلا يشك فيه مسلم، وإنما الشأن في معرفة السبب الظاهر.
قوله: «أو أنه يوجد كيفية بعد كيفية ...» إلخ
هذا هو الأقرب، وذلك أن كلَّ ما جاور الهواء الأول من الأهوية تكيف بكيفيته ثم يتسلسل هكذا حتى يضعف.
وفي ذهني أنه أورد على هذا: أنه يلزم عليه أن يتعدد السماع بتعدد الأهوية فيسمع الإنسان الصوت الواحد مرارًا.
والجواب: أن الهواء الأول المتكيف بكيفية الصوت لا يلبث متكيفًا بها إلا ريثما يتكيف بها مجاوره، ثم تزول عنه، وهكذا الأهوية المجاورة له لا تلبث متكيفة بتلك الكيفية إلا ريثما يتكيف بكل منها ما جاوره، وهلم جرًّا، وحينئذ فلا يصل إلى الأذن متكيفًا بالكيفية إلا هواءٌ واحد، فأما ما يأتي بعده فإنه يكون قد انمحى تكيُّفُه قطعًا، فتأمل.
فإن قيل: هذا بالنسبة إلى التعاقب، وبقي ما كان بالمعية، وذلك أنكم قلتم بأن المتكيِّف بتلك الكيفية ينتهي إلى أن يكون أهوية كثيرة، فالهواء
_________
(^١) المؤلف ينقل عبارات لأحد المصنفين ــ لم يسمه ولم أهتد إليه ــ ويردّ عليه ويناقشه، وانظر نحو ما ينقله المؤلف في «المواقف»: (٢/ ٥ - ١٧) للإيجي.
24 / 89
الداخل في إحدى الأذنين هو غير الداخل في الأذن الأخرى؛ بدليل أنه قد يدني الشخص أذنه من أذن الآخر ثم يكون صوت فيسمعانه معًا، والهواء الواحد لا يُتصور انقسامه، بل على هذا قد تزدحم في الأذن أهوية كثيرة من هذه الأهوية.
فالجواب: أننا نسلم أن الهواء الداخل في إحدى الأذنين غير الداخل في الأخرى، وأنه قد يزدحم في الأذن هواء وأكثر، ولكنا نقول: إنها لما كانت متماثلة لم يقدح ذلك في السماع كما سيأتي.
ولا يخفى أن كل نقطة من الصوت تحتاج إلى هواء مستقل، فالهواء الواحد لا يسع إلا بقدر حرف من الحروف الآتية مثلًا، وحينئذ فنحكم أن الناطق إذا نطق بحرف من الحروف الآتية كان المتكيِّف بها ذرة من الهواء، ثم إن تلك الذرة لا تلبث أن يتكيف بها ما جاورها من ذرات الهواء وتذهب الكيفية عنها، ثم إن تلك الذرات لا تلبث أيضًا أن يتكيف بها ما جاورها من الذرات الأخرى، وينمحي عنها وهلمّ جرًّا. ونعني بقولنا: ما جاورها، أي من الجهة البُعْدى عن المصوِّت، لا الجهة الدنيا، والسبب أن التكيف إنما هو بالدفع، ولذلك اختلف السمع بالقرب والبُعْد وشدة الصوت وضعفه، والدفع إنما هو إلى الخارج.
بقي أن يقال: إنه إذا كانت إحدى الأذنين أقرب إلى المصوِّت من الأخرى يلزم سماع الصوت مرتين، وذلك أن الهواء يدخل الأذنين متعاقبًا لا دفعة.
ويجاب بتسليم ذلك، ولكنه لسرعة اندفاع الهواء وقلة التفاوت لا يشعر
24 / 90
السامعُ بذلك، بل يظنه سماعًا واحدًا. وهذا كما إذا نظرت إلى كوكب من الكواكب مثلًا وأخذت بيدك عودًا وجعلته بين نظرك وبين الكوكب فإنه يمنع النظر، فإذا حَرَّكته بسرعة من اليمين على الشمال خُيِّل إليك أن رؤيتك للكوكب متصلة، وأن ذلك العود لم يقطعها، وما ذلك إلا لسرعة الحركة، فلا يصل المثال المأخوذ بالرؤية الأولى إلى الحس المشترك حتى يتبعه الآخر فيمتزج به، وعلى نحو هذا يقال في السمع، والله أعلم.
قوله: «على أن الظاهر تكيف جميع الهواء ...» إلخ.
استظهاره في محله على ما بينَّاه آنفًا.
قوله: «ويلزم اجتماع مثلين ...» إلخ.
أقول: إن أراد بالاجتماع الاجتماع على جهة الامتزاج، فغير مسلَّم؛ لأننا نقول: إن الهواء المتكيف بكيفية الصوت لا يقبل التكيف بكيفية صوت آخر حتى يتلاشى الأول. وإن أراد على جهة الازدحام فنعم، ولكن المسموع حينئذ هو القدر المشترك بين الصوتين، فإن كانا متماثلين كان السماع صحيحًا، كما إذا رمى جماعةٌ ببنادقهم دفعة واحدة، فإنه يسمع صوت بندق أندى من الصوت المعروف للبندق الواحد. وعلى نحو هذا يقول الشاعر (^١):
فقلتُ ادْعي وأدعوَ إنَّ أندى ... لصوتٍ أن ينادِيَ داعيان
_________
(^١) هو دِثار بن شيبان النمري. والبيت من قصيدة له في «الأغاني» (٢/ ١٥٩)، وهو من شواهد «الكتاب» (٣/ ٤٥). ونسب فيه إلى الأعشى ولم يرد في ديوانه.
24 / 91
وإن كانا مختلفين كان السماع مشوشًا، فتأمل.
قوله: «على أنه يسمع من بعد ...» إلخ
ممنوع بدليل أنه إذا كان إنسان بعيدًا عنك يرمي ببندق إلى هدف، فإنك ترى وقع الرصاصة قبل سماع البندق، وإن كان بجنبك كان سماعك للصوت قبيل رؤيتك وقوع الرصاصة.
قوله: «مع أن لعبة الصبيان ...» إلخ
إن أراد بصوت الحصى أو الصوت الناشئ من قرع بعضها لبعض بدون مماسة لباطن اللعبة، فهذا ممنوع.
وإن أراد به صوت الحَصَى في قرعه لباطن اللعبة أو في قرع بعضه لبعض مع اتصال المقروع بباطن اللعبة، فهذا مُسلَّم، ولكن لا نسلم أن السماع حينئذ من وراء حجاب، بل السماع هنا بواسطة انقراع الحجاب المتصل بالهواء، وذلك أن الإنسان إذا كان في مكان، وكان آخر في مكان مجاور له، فإنه لا يسمع أحدهما كلام الآخر ما لم يكن هناك نافذة بخلاف إذا قرع أحدهما الجدار المشترك بين المكانين ولو قرعًا خفيفًا، فإن الآخر يسمع ذلك القرع، وذلك أن الصوت يسري في الأجسام المتصلة فيتكيف به جزء بعد جزء، كما يتكيف الهواء. وهذا البحث يحتاج إلى تحقيق.
بقي أن يقال: إن الإنسان إذا أطبق فمه وأمسكَ بمنخريه وسد أذنيه ثم صوت بأسنانه أو غيرها مما يمكن التصويت به داخل الفم فإنه يسمع.
والجواب: أن هذا من سريان الصوت في أجزاء الجسد فيتصل بالمسامع.
24 / 92
قوله: «إنا نعرف جهة الصوت ونحزر بُعدَ مسافته ...» إلخ.
الجواب: أن الأذن تميز بين الأهوية التي تقرعها قوة وضعفًا وكيفيّةً، وذلك أن للصوت الذي يكون من مصوت بعيد كيفيةً غير كيفية الذي يكون من قريب، ألا ترى أن بعض الناس يريد أن يغالط السامع القريب منه فيوهمه بأنه يصوِّت مِن بُعْد فيمكنه ذلك بأن يخرج صوته على كيفية غير الطبيعية. وهكذا كل مصوِّت من المصوِّتات لصوته العالي كيفية غير كيفية صوته الأدنى، ومن هنا استطاع السامع أن يعرف جهة الصوت ويحزر بُعد مسافته.
أما معرفة جهته، فلأَنَّ الجهة إذا كانت مسامتة للأذن كان سماع الأذن للصوت على طبيعته مِن ذلك البُعد، فتعرف أن هذا الصوت من الجهة المسامتة لها. وإن كان من غير المسامتة، كان سماع الأذن له ضعيفًا نوعًا ما، مع أن كيفيته الدالة على المسافة بحالها، فتعرف الأذن أنه من جهة غير المسامتة، وتقدرها بقدرها.
وأما معرفة المسافة، فلِمَا ذكرنا أن للصوت كيفياتٍ متعددةً بتعدد المسافات. وقد يستطيع الإنسان أن يتكلَّف إيقاع بعضها في موقع غيره كما مر، وهذا مثلما أنَّ لصوت كل إنسان من الناس كيفيةً يمتاز عن صوت غيره، والسمع يميز بين ذلك، وقد يتكلف بعض الناس تقليد صوت غيره فيتم له ذلك.
قوله: «واستظهر بعضهم ...» إلخ.
قد بينَّا أن الصوت يسري في الأجسام كما يسري في الأهوية، ولكن
24 / 93
شرط سريانه في الجسم وقوعه به أو بجسم يلاصقه، وأما الهواء فلا يشترط ذلك بل قد يكتسبه من الجسم كما قلناه سابقًا في الرجلين الكائنين في مكانين متجاورين فإنه إذا تكلم أحدهما لم يسمعه الآخر؛ وذلك لأن كلامه إنما تكيف به الهواء أولًا فلم يمكن أن يكتسبه الجدار منه، بخلاف ما إذا قرع أحدهما الجدار المشترك فإن الآخر يسمعه، وذلك أن الصوت تلقَّاه الجدار أولًا فسرى فيه حتى جاور الهواء الكائن في الجهة الأخرى، فسرى في الهواء لِلُطف الهواء بخلاف الأجسام. نعم، قد يمكن إذا كان الصوت شديدًا جدًّا أن يتلقاه الجسم عن الهواء، وذلك لشدة ضغط الهواء على الجسم حتى صار كأنه جسم آخر يضغط عليه. وحينئذ فالصدى هو عبارة عن هواء يتكيف بكيفية الهواء الذي ذهب حتى جاور الجبل، وذلك أن سلسلة ذرات الهواء إذا اتصلت بالجبل مثلًا دفعها الجبل إلى خلف، وبدفعه لها ينعكس التكيّف فتتكيف بتلك الذرات اللاتي دفعها الجبل الذراتُ التي وراءها، وهكذا حتى ترجع إلى المصوِّت.
فإن قيل: فإن الصدى قد يكون أشد من الصوت الأصلي.
فالجواب: أن شدة القَرْع قد تورث صوتًا آخر يلتبس بالصدى، وهذا كما يقع في القُبَب المحكمة البناء.
قوله: «وهل لكل صوت صدى؟ خلاف».
الظاهر ترجيح الإيجاب، والله أعلم بالصواب (^١).
_________
(^١) أرّخ المؤلف تاريخ كتابتها بـ (٧ شعبان سنة ١٣٤٤ في بانور كارْوا).
24 / 94
وأما سماع الإنسان لكلام نفسه فإنه بواسطتين:
الأولى: سريان الصوت في أعضاء رأسه حتى يقرع مسمعيه.
والثانية: ما يلج أذنيه من الهواء الذي تكيف بكيفية الصوت من الخارج، ولذلك تجده يسمع كلام نفسه وإن سدَّ أذنيه (^١).
* * * *
[الدليل على عدم نبوّة النساء]
قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ﴾ [يوسف: ١٠٩].
يُستدل به على عدم النبوة في النساء، كأمّ موسى ومريم. والله أعلم (^٢).
* * * *
ممّا يستدلّ به في كيفية البعث
ما جاء أنّ هندًا لمّا لاكت قطعةً من كبد حمزة، فبلغ رسول الله ﵌، قال: «أكلتْ منها شيئًا؟» قيل: لا، قال: «ما كان الله ليدْخِل شيئًا من حمزة النار» (^٣).
* * * *
_________
(^١) مجموع [٤٦٥٧].
(^٢) مجموع [٤٦٥٧].
(^٣) مجموع [٤٧١٩]. والحديث أخرجه أحمد (٤٤١٤) عن ابن مسعود ﵁.
24 / 95
[معنى رفع السنن بسبب ارتكاب البدع]
الحمد لله.
جاء في الحديث: «إنّه لا يبتدع الناس بدعة إلا رُفِعَ من السُّنَّة مثلها» (^١).
وفسّروه بأنّ حقيقة البدعة هي ترك السنة، فكل بدعة معناها ترك السنة.
فمعنى الحديث: أنّه رُفِع من السُّنَّةِ تلك السُّنَّةُ المقابلة لها، أي للبدعة.
وعندي أنّ هذا قصور؛ لأنّه يكون إخبارًا بما هو معلوم لكلِّ أحد؛ إذ لا ينكر أحد أنّ ارتكاب الشيء تركٌ لضدّه.
نعم، يحتمل أنّه أخرج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر، وذلك أنّ النّاس وإن كانوا يعلمون أنّ ارتكاب البدعة ترك للسنة، إلا أنهم بارتكابهم البدع نُزِّلوا منزلة من ينكر ذلك.
بل إنّ من الناس من ينكر هذا بالفعل، وهم الذين يقولون: إنّ البدعة قد تكون حسنة.
وعلى كل حال، فأحسن من هذا المعنى عندي أن يقال: إنّ المراد بالسنة التي تُرْفَع عند ارتكاب البدعة سنةٌ أُخرى غير المقابلة لها. وذلك أنّ الدين قد كمل، وقد بيّن الله ﷿ حكم جميع الحركات والسكنات في جميع الأمكنة والأزمنة.
_________
(^١) أخرجه أحمد (١٦٩٧٠) وغيره من حديث غُضيف الثمالي. وفي سنده أبو بكر بن أبي مريم فيه ضعف، وجوَّد إسناده الحافظ في «الفتح»: (١٣/ ٢٥٣ - ٢٥٤).
24 / 96
فالإنسان بارتكابه البدعة يصرف طائفةً من وقته في فعلها، فيضيِّع السنّة التي كانت صاحبة ذلك الوقت.
ومثَّلتُه بإناءٍ ملآنَ بالجواهر النفيسة، بحيث لا يمكن الزيادة فيه، فإذا جاء إنسان ليدسّ فيه حصى من زجاج أو نحوه، فإنّه يمكنه دسُّها، ولكنّه يخرج من الجواهر التي في الإناء بقدر المدسوس أو أكثر (^١).
* * * *
[السرّ في خلود الكفّار في النار]
الحمد لله.
ظهر لي ــ والحمد لله ــ أنَّ من مات كافرًا فإنّه يستمر كافرًا أبدًا، بمعنى أنّه يبقى حتى في البرزخ والقيامة والنار جاحدًا لبعض الأشياء الذي يُعدّ جَحْدها كفرًا، ومصمِّمًا على الخلاف والمعصية لو وجد إليها سبيلًا، ولا يتوب أبدًا، وإن قال بلسانه فهو معتقد بقلبه خلاف ذلك.
فلذلك ــ والله أعلم ــ يخلَّد في النار، وارتفع الإشكال، والحمد لله.
ويظهر لك هذا مما حكاه الله ﷿ عن أهل النار من دعائهم، ولاسيّما إذا قرنته بما حكاه عن أهل الجنة.
وقوله ﷿: ﴿وَلَوْ رُدُّوا (^٢) لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ [الأنعام: ٢٨] ليس ذلك
_________
(^١) مجموع [٤٧١٩].
(^٢) سقطت «ردوا» من الأصل سهوًا.
24 / 97
ــ والله أعلم ــ من باب الإخبار بالغيب فقط، بل المعنى ــ والله أعلم ــ أنهم (^١) في نفوسهم مُزْمِعون على ذلك، أي أنهم عازمون في أنفسهم أن لو رُدّوا إلى الدنيا لاستمروا على كفرهم وعنادهم. والله أعلم (^٢).
* * * *
[رد على من استدل بحديث عِتْبان على مشروعية التبرك بالمواضع التي صلى فيها النبي ﵌ -]
حديث عتبان في سؤاله النبي ﵌ أن يصلي في موضع من بيته يتخذه مسجدًا، فأجابه إلى ذلك= يحتجُّ به مَن يرى مشروعية التبرُّك بالمواضع التي صلى فيها النبي ﵌. وفي ذلك نظر؛ لأن صلاته ﵌ في بيت عِتْبان كانت عمدًا لذلك الموضع بذلك القصد، ولعله ﵌ دعا الله ﵎ عند صلاته أن يجعل في ذلك الموضع بركةً وخيرًا، فصارت لذلك الموضع مزيّة، بخلاف المواضع التي كانت صلاته فيها اتفاقًا بلا تحرٍّ ولا قصدِ أن تكون مصلًّى لمن بعده. والله أعلم (^٣).
* * * *
_________
(^١) تكررت في الأصل.
(^٢) مجموع [٤٧١٩]. وقد تقدم للشيخ كلام في المسألة عند شرح قوله تعالى: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾. انظر (ص ٣٢).
(^٣) مجموع [٤٧٣٠].
24 / 98
[حكم الصلاة عند القبور]
الحمدُ لله.
لم يكن اليهود والنصارى يصلُّون للقبور عبادةً لها، وإنما كانوا يصلّون عندها تعظيمًا لها، أي تبرُّكًا بها.
فمجرَّد الصلاة عندها ــ بدون نيّة تبرُّك ــ تشبُّهٌ بهم.
وبنيّة تبرُّك مماثَلَةٌ لهم.
وبنيّة عبادة زيادةٌ عليهم (^١).
_________
(^١) مجموع [٤٧٢٢].
24 / 99