The Commentary on the Treatise of the Reality of Fasting and the Book of Fasting from the Branches and Selected Issues from It
التعليق على رسالة حقيقة الصيام وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه
Genres
(١) [النسخة التي قرئت في الدرس هي المطبوعة في «مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية»، جمع ابن قاسم، وكان مع الشيخ النسخة المطبوعة في المكتب الإسلامي، وينبه ﵀ على موضع الاختلاف بينهما إن وجد، والمتن المعتمد في هذه الطبعة هو الأول، وتم وضع الزيادات من نسخة المكتب الإسلامي بين معكوفتين] .
1 / 1
1 / 2
(١) قوله: «الصيام هو الإمساك عن الأكل والشرب..» لكن لابد أن يضاف إلى هذا التعبد لله بالإمساك عن المفطرات، حتى يكون عبادة؛ لأن الإمساك عن المفطرات له أسباب متعددة، فإذا كان ذلك لغرض التعبد لله كان صياما شرعا، وكما قال الشيخ ﵀: الأشياء المفطرة بالنص والإجماع هي هذه الثلاثة: الأكل، والشرب، والجماع، وما عدا ذلك فإما ثابت بأقيسة، وإما ثابت بنص مختلف في صحته، أو في دلالته، لكن هذه الثلاثة مجمع عليها. والصيام كان معروفا في الجاهلية، وفي الشرائع الأخرى، كما قال الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم﴾ [البقرة: ١٨٣] . وكما قالت عائشة ﵂: كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله ﷺ يصومه في الجاهلية [أخرجه البخاري في الصوم/باب صيام يوم عاشوراء (٢٠٠٢)] . فلم تأت الشريعة الإسلامية بجديد إلا في بيان الحكمة من الصوم، وهي أنه ليس الحكمة من الصوم أن يمنع الإنسان من فضل الله ﷿ من شراب وطعام ونكاح، ولكن الحكمة شيء فوق ذلك، وهو تقوى الله ﷿، كما قال الله تعالى حين ذكر فرض الصيام: ﴿لعلكم تتقون﴾، وكما قال النبي ﷺ: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» [أخرجه البخاري في الصيام/باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم (١٩٠٣)] . فالحاجة هنا: بمعنى الإرادة، يعني أنه ليس لله إرادة أن يدع الإنسان طعامه وشرابه بدون أن يدع قول الزور والعمل به والجهل، وإن قوما يمسكون عن ملاذهم، ويتقون الله ﷿ شهرا كاملا، لابد أن تتغير مناهجهم؛ ولهذا كان شهر الصيام -لمن وفق- تربية عظيمة للنفس، بالصبر، والتحمل، والتقوى، وكثرة الطاعات. وفي قوله ﷿: ﴿فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم﴾ الإشارة إلى معنى نفيس، وهو أن لا يريد الإنسان بالجماع مجرد نيل الشهوة، بل ابتغاء ما كتب الله له، يعني من الذرية، وهو إذا نوى هذا حصل له هذا وهذا، فلا يفوته إذا نوى ابتغاء ما كتبه الله له أن لا يكون له ذرية، بل يحصل على هذا وعلى هذا، ولهذا قال بعض المفسرين في قوله: ﴿ما كتب الله﴾ أي: بطلب الولد.
1 / 3
(١) يعني: إذا أدخل الإنسان الشراب من غير الفم ففيه خلاف بين العلماء، ولكن ما دل عليه الحديث يجب أن يكون معتبرا، وهو أن النبي ﷺ قال: «إلا أن تكون صائما» [أخرجه أبو داود في الطهارة /باب في الاستنثار (١٤٢)؛ والنسائي في الطهارة/باب المبالغة في الاستنشاق (١/٦٦)؛ والترمذي في الصوم/باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم (٧٨٨)؛ وصححه ابن خزيمة (١٥٠)؛ وابن حبان (١٠٨٧)] . ولا نعلم فائدة لهذا الاستثناء إلا خوف أن ينزل الماء من الأنف إلى المعدة، وإلا لا يكون للاستثناء فائدة، فالصواب ما دل عليه الحديث. لكن لو جاء مجادل وقال: المسألة ليست إجماعية، وأنا لا أعتبر إلا ما ثبت بالنص والإجماع فقط، ولا أعترف بما ثبت قياسا. قلنا له: الحمد لله، هذا ثابت بالنص؛ لأننا لا نعلم فائدة لاستثناء الصائم إلا خوف أن ينزل الماء من أنفه إلى معدته فيفطر.
1 / 4
(١) المؤلف ﵀ سيبين ثبوت هذا الحديث أو عدم ثبوته، لكن في قوله «وإن استقاء فليقض» [أخرجه أحمد (٢/٤٩٨)؛ وأبو داود في الصيام/باب الصائم يتقيء عمدا (٢٣٨٠)؛ والترمذي في الصوم/باب ما جاء فيمن استقاء عمدا (٧٢٠)؛ والنسائي في «الكبرى» (٣١١٧)؛ وابن ماجه في الصيام/باب ما جاء في الصائم يقيء (١٦٧٦)؛ وصححه ابن خزيمة (١٩٦٠)؛ وابن حبان (٣٥١٨)؛ والحاكم (١/٤٢٧)] فائدة، وهي: أن الإنسان إذا أفطر متعمدا فعليه القضاء، خلافا لما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀، حيث قال: إن من تعمد الإفطار فلا يقضي، والصواب: أنه يقضي، بخلاف من لم يصم اليوم من أوله، فهذا لا يقضي، والفرق بينهما ظاهر؛ لأن الأول شرع في العبادة فلزمته بشروعه فيها، والتزمها في أول نهاره، والثاني لم يلتزمها إطلاقا، فإذا قضاها بعد فوات الوقت فقد فعل فعلا ليس عليه أمر الله ورسوله، وقد تعدى حدود الله؛ لأن الله تعالى حد الصوم بشهر معين، وفي زمن معين من هذا الشهر، فإذا لم يقم بالصوم في هذا فقد تعدى حدود الله، وقد قال الله تعالى: ﴿ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون﴾ [البقرة: ٢٢٩]، والله لا يقبل من ظالم. فهذه المسألة فيها ثلاثة أقوال: القول الأول: قول الجمهور أنه يقضي، سواء صام ثم أفطر عمدا، أو أنه ترك الصيام من الأصل. القول الثاني: أنه لا يقضي، سواء ترك الصيام من الأصل، أو تعمد الإفطار. القول الثالث: التفصيل، بأنه إن ترك الصيام ثم صامه بعد رمضان فإنه لا يقضيه؛ لأنه لن ينتفع به، وأما إذا صام ثم أفطر عمدا وجب عليه القضاء، وهذا هو الراجح، لحديث أبي هريرة: «وإن استقاء فليقض» يعني: من استقاء عمدا فليقض. مسألة: لو أن الإنسان أحس بالقيء، فهل يجب عليه أن يمنعه؟ الجواب: لا يجب، كما لو فكر وأحس بانتقال المني، فإنه لا يلزمه أن يحجزه؛ لما في ذلك من الضرر؛ ولأنه لم يتعمد. مسألة أخرى: لو أنه أحس بهيجان المعدة ثم استقاء، أيفطر أو لا؟ الجواب: نعم يفطر؛ لأنه تعمد القيء، والمعدة قد تهيج أحيانا، ويتهيأ الإنسان للقيء، ولكن تسكن ولا يحصل شيء.
1 / 5
(١) وهذا هو الصحيح أنه لا كفارة إلا بالجماع، وذلك أن الأصل براءة الذمة، ولا يمكن أن نلزم عباد الله بشيء دون دليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع؛ لأننا مسئولون عن إيجاب ما لا يجب، كما أننا مسئولون عن تحريم ما لم يحرم، فالصواب: أن الإنسان إذا تعمد الفطر في رمضان، يعني: صام ثم أفطر عمدا أنه آثم، ويلزمه الإمساك بقية اليوم، وعليه القضاء، وأما الكفارة فلا تجب إلا بالجماع.
1 / 6
(١) قول المؤلف: «إذا أراد بالوضوء الوضوء الشرعي»: أفاد بأن هناك وضوءا ليس شرعيا، وهو الوضوء اللغوي، وهو النظافة، ولكن لدينا قاعدة مهمة، وهي أن ألفاظ الشرع تحمل على الحقائق الشرعية، والحقيقة الشرعية للوضوء أنه التطهر المعروف، ولكن يمنع القول بوجوب الوضوء من القيء ما ذكره الشيخ ﵀ أن هذا فعل مجرد، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب.
1 / 7
(١) ولهذا عندهم قاعدة، يقولون: لا وضوء مما دخل، بل مما خرج، ولا فطر مما خرج، بل مما دخل، لكن لا أصل لهذه القاعدة.
1 / 8
(١) كلام الشيخ ﵀ فيه نظر، فحصره التقيؤ بكونه دواءا، أو أكل ما فيه شبهة فيه نظر، فقد يتقيأ الإنسان - مثلا - لثقل بطنه، أو للتداوي بالتقيؤ بدون ضرورة، لكن ما قلنا أقرب للأصول، أنه إذا أفسد صومه بالقيء أو غيره، وجب عليه القضاء؛ لأنه بشروعه فيه صار كالناذر له؛ ولهذا سمى الله تعالى مناسك الحج نذورا، ومدح الذين يوفون بنذورهم، وليس هذا النذر الذي امتدح الله فاعله هو النذر المعروف، كما توهمه بعض الناس، بل إن قوله- تعالى-: ﴿يوفون بالنذر﴾ [الإنسان: ٧]، يعني بالعبادات الواجبة، وكذلك قوله تعالى: ﴿ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق﴾ [الحج: ٢٩] المراد: المناسك. (٢) الشيخ ﵀ يريد أن يدفع الأحاديث التي وردت في قضاء من تقيأ عمدا بأنه إنما يتقيأ غالبا للتداوي أو لوجود شبهة، كما فعل أبو بكر ﵁، مع أن أبا بكر ﵁ لا نعلم أنه كان صائما صوما واجبا، لكن هل استمر في صومه أو أفطر؟ لا ندري، الله أعلم عنه، ثم أتى بحديث آخر أن الرسول ﷺ أمر المجامع أن يقضي فأجاب عنه.
1 / 9
(١) أما كونه لم يكن ناسيا أو جاهلا فظاهر من قوله: «هلكت» فإن هذا يدل على أنه ليس بجاهل ولا ناس، وأما كونه لم يأمره بالقضاء فقد تعقبه الشيخ الألباني في قوله: «ولم يذكر أحد أنه أمره بالقضاء» فقال: (فيه نظر، فقد ذكره أكثر من واحد، وأصل الحديث في «الصحيحين» ... ثم ساقه، ثم قال: ورواه البيهقي من طريق أبي مروان، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، قال: أخبرنا الليث بن سعد، عن الزهري بإسناده هذا أن النبي ﷺ قال: «اقض يوما مكانه» . قال البيهقي: وكذلك روي عن عبد العزيز الدراوردي ... إلى أن قال: ولهذه الروايات شاهد من مرسل سعيد بن المسيب عند مالك، ومن مرسل نافع بن جبير ومحمد بن كعب، ذكرهما الحافظ في «الفتح»، ثم قال: «وبمجموع هذه الطرق تعرف أن لهذه الزيادة أصلا») ا. هـ كلام الشيخ الألباني.
1 / 10
(١) الحقيقة أن هذا هو الفقه العظيم، إذا كان الله لم يؤاخذه فمعناه أنه بمنزلة من لم يفعله، فما دام معفوا عنه فكأنه لم يفعله، وإذا لم يفعله هل يجب عليه قضاء أو كفارة؟ قلنا: لا يجب قضاء ولا كفارة، وكذلك يقال في جميع المحظورات في العبادات، ففي الصلاة إذا تكلم جاهلا أو ناسيا لم يؤاخذ، فيكون بمنزلة من لم يتكلم، وفي الصيام إذا أكل أو شرب ناسيا لم يؤاخذ، فيكون بمنزلة من لم يأكل ويشرب، وفي الحج إذا فعل محظورا ناسيا أو جاهلا فيكون غير مؤاخذ، فهو بمنزلة من لم يفعله، وهذا الفقه من شيخ الإسلام ﵀ عظيم، فكل ما لم تؤاخذ عليه فكأنه معدوم، إلا في شيء واحد وهو المأمورات، وذلك إذا تركت شيئا مأمورا فالعبادة ناقصة، وما أتيت بها، فلابد أن تأتي بها على ما أمرت؛ ولهذا لم يعذر النبي ﷺ الرجل الجاهل الذي كان يصلي بلا طمأنينة، بل قال له: «ارجع فصل فإنك لم تصل» [أخرجه البخاري في صفة الصلاة/باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر وما يجهر فيها وما يخافت (٧٢٤)؛ ومسلم في الصلاة/باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وإنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها (٣٩٧)]؛ لأنه ترك واجبا، لكن لم يأمره بقضاء ما سبق من الصلوات؛ لأنه لم تبلغه الشريعة، ولا تلزم الشرائع إلا بعد العلم.
1 / 11
(١) قوله: «المقتول» يعني: الإنسان، فإن القرآن نص نصا صريحا بوجوب الكفارة في قتل الخطأ، وكلامه هنا يظهر منه أنه يرى وجوب الجزاء في قتل الصيد على الجاهل والناسي، لكن كلام الفقهاء عنه، ولاسيما تلميذه ابن مفلح ﵀ فإنه نقل عنه في «الفروع» أنه يقول: إنه لا يجب في قتل الصيد خطأ أو نسيانا جزاء، وهذا القول هو الراجح، وهو نص القرآن، قال الله تعالى: ﴿ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم﴾ [المائدة: ٩٥]، ومتعمدا مشتق، وهو وصف مناسب للحكم، فوجب أن يختلف الحكم بفقده، وأنه إذا قتله غير متعمد فليس عليه جزاء، وهذا هو الصواب، وهو أيضا مقتضى طرد القاعدة أن جميع المحظورات إذا فعلها جاهلا أو ناسيا فليس فيها شيء، ولا يصح قياس هذا على إتلاف الصبي لأموال بني آدم، ولا على إتلاف الجاهل والناسي لأموال بني آدم؛ لأن الصيد في الإحرام، إنما حرم لحق الله ﷿ وليس لحق الإنسان، أو لأنه ملك لفلان أو فلان، وعلى هذا فإذا قتل المحرم صيدا ناسيا أو جاهلا وهو مملوك لفلان، فعليه مثله إن أمكن أو قيمته.
1 / 12
(١) خلافا للمذهب في هذه المسألة: أن تقليم الأظفار وقص الشارب كالصيد، يعني: لا يسقط بالنسيان والجهل، والصواب خلاف ذلك، وأنها ليست من باب المتلفات؛ لأنه لا قيمة للظفر أو الشعر إذا قصه المحرم.
1 / 13
(١) لعلها: (وأُمر) أي: وقلنا بأمره بذلك.
1 / 14
1 / 15
(١) الموالاة والترتيب في الجمع، فالترتيب هو أن يبدأ بالأولى قبل الثانية، والموالاة أن لا يفصل بينهما بفاصل كثير، فشيخ الإسلام ﵀ يرى أن الجمع معناه ضم أحد الوقتين إلى الآخر، وأنه لا تشترط الموالاة، لا في جمع التقديم، ولا في جمع التأخير، والمشهور من المذهب أنه تشترط الموالاة إذا كان الجمع تقديما، وأما التأخير فلا، والاحتياط بلا شك أن يوالي بينهما في التقديم والتأخير، لكن كون ذلك شرطا في جمع التقديم فيه شيء من القلق، فلا يطمئن إليه الإنسان كثيرا، أما الترتيب فلا بد منه بأن يبدأ بالأولى قبل الثانية.
1 / 16
(١) وعلى هذا فإذا كان يوم غيم فلا نقول للناس: انتظروا حتى تتيقنوا الغروب؛ لأنه لو كان الانتظار حتى يتيقنوا الغروب واجبا لتأخر الصحابة ﵃ حتى يتيقنوا الغروب، وهذا قد يكون أمرا يستدعي وقتا طويلا، خصوصا مع كثافة الغيم، فإنه قد لا يتفرق إلا بعد مدة طويلة، فيفوت تعجيل الفطر الذي قال فيه الرسول ﷺ: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» [أخرجه البخاري في الصوم/باب تعجيل الإفطار (١٩٥٧)؛ ومسلم في الصيام/باب فضل السحور (١٠٩٨)]، هذا إذا لم يكن مع الإنسان ساعات، أما الآن -وقد جاءت الساعات- فالانتظار إن قلنا به مع الغيم فلن يعدو أن يكون دقيقتين أو ثلاث دقائق، يعني: لا يتأخر كثيرا، لكن في عهد المؤلف وما حوله ليس هناك ساعات تحدد الوقت. وأما الأمر الثاني - وهو المهم-: أنه لا يجب القضاء بناءا على القاعدة، وهي: العذر بالجهل والنسيان والإكراه، والإنسان مأمور بأن يفطر ويعجل الفطر، فإذا فعل ما أمر به ثم تبين الأمر بخلاف ذلك، فإنه لا يُلزم بالقضاء، وكيف يُلزم بالقضاء من أطاع الله ورسوله ﷺ؟!
1 / 17
(١) ومعلوم أنه حتى اللفظ الأول لا يدل على أنه رفع الحديث، بل على أنه قاله تفقها لقوله «أو بد من القضاء؟» [أخرجه البخاري في الصوم/باب إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس (١٩٥٩)] كأنه يقول: لابد من القضاء، وهذا قاله تفقها من عنده ﵀، لكن اللفظ الثاني: «لا أدري أقضى أم لا؟» [نفس الموضع السابق] أوضح من اللفظ الأول، مع أن الأول عند التأمل يدل على أنه قاله تفقها من عنده.
1 / 18
(١) إذن يكون أبو هشام - وهو: عروة بن الزبير، أحد الفقهاء السبعة التابعي- قال: إنه لم يأمر بالقضاء، وعلى هذا فيكون المعتمد عدم أمرهم بالقضاء، ولو كان القضاء واجبا لأمرهم به النبي ﷺ بلا شك، إذ لا يمكن أن يؤخر البلاغ مع حاجة الناس إليه، ثم لو أمرهم بالقضاء لنقل إلينا؛ لأنه إذا أمرهم بالقضاء صار القضاء من شريعة الله، ولا بد أن تبقى إلى أن يأذن الله تعالى بفناء أهل الأرض، فكلما تأملت الحديث وجدت أنه كالمُتَيْقَن أنهم لم يقضوا. (٢) هذا تواضع عظيم منه ﵀، ومن عرف قدر نفسه، عرف غيره قدره، والله المستعان.
1 / 19
(١) وعند المتعمقين يقولون إذا شككت في الفجر وجب عليك الإمساك، ولهذا عندهم مدفع إمساك ومدفع فجر، وهذا لاشك أنه من التعمق المذموم؛ لأن الرب ﷿ هو الذي يتعبد عباده، وقد قال سبحانه: ﴿وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر﴾ [البقرة: ١٨٧]، ولم يقل: حتى يطلع، بل حتى يتبين، فأنت مأمور أن تأكل وتشرب ما دمت شاكا في طلوع الفجر حتى يتبين لك، فإذا تبين أمسك. مسألة: لو أنه تبين للإنسان الفجر، وهو يجامع زوجته ماذا يفعل؟ الجواب: قال الفقهاء: إن بقي فعليه الكفارة، وإن نزع فعليه الكفارة؛ لأن النزع جماع عندهم، فماذا يصنع؟! نقول: بل ينزع فورا ولا شيء عليه؛ لأن هذا عمل للتخلص من الإثم، وفرق بين الإنسان الذي يتخلص من الإثم، والذي يريد الوقوع في الإثم، ونظير ذلك لو أن المحرم أصابه طيب في ثوبه أو في بدنه، فإن مس المحرم للطيب محرم، لكن لو أراد أن يغسله فلا نقول له: حرام عليك أن تغسله؛ لأن هذا للتخلص منه، ونظير ذلك أيضا الرجل يستنجي بالماء ويباشر النجاسة - البول أو الغائط- بيده، ومباشرة النجاسة منهي عنها، فلا نقول: لا تفعل، بل افعل؛ لأنه يريد التخلص، ونظير ذلك الرجل يغصب أرضا، ثم يمن الله عليه بالتوبة وهو فيها، ويجمع متاعه وما يتعلق به؛ ليخرج منها فلا نقول: إنه آثم؛ لأنه من التخلص، ويجب التنبه لهذه الفائدة، وهو أن من باشر المحرم للتخلص منه، فإن ذلك أمر واجب عليه، ولا يدخل في الحرام. وفهمنا من كلام الشيخ ﵀ أنه يأكل ويشرب حتى مع الشك في طلوع الفجر، وأنه لا أثم عليه، وأن هذا مقتضى قوله تعالى: ﴿وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم﴾، وأنه متى غلب على ظنه أن الشمس غربت فله أن يفطر؛ لفعل الصحابة رضوان الله عليهم في عهد نبيهم ﷺ، لكن مع الشك في غروب الشمس لا يجوز الفطر، بخلاف الشك في طلوع الفجر، والفرق ظاهر؛ لأن الشك في طلوع الفجر يعارضه أن الأصل بقاء الليل، والشك في غروب الشمس يعارضه أن الأصل بقاء النهار، لكن مع غلبة الظن يعمل بغلبة ظنه، ويأكل ويشرب فإن تبين له بعد أن الشمس لم تغرب أمسك، وصح صومه.
1 / 20