279

Al-abwāb waʾl-tarājim li-Ṣaḥīḥ al-Bukhārī

الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

Investigator

د. ولي الدين بن تقي الدين الندوي

Publisher

دار البشائر الإسلامية للطباعة

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢ م

Publisher Location

بيروت - لبنان

Genres

الشريفة ذهبت عنه تلك الهيبة التي كانت تأخذه الحمَّى بسببها، وأما الشدة فبقيت في أكثر أحوال النزول، والمناسبة بالترجمة بأن هذه الحالة الواردة في الحديث مبدأ لكل وحي يكون مثل هذا النوع.
(وكان يخلو بحراء) وهو مأخذ الصوفية في التجرُّد، ولعلَّهم خصُّوه بالأربعينية لقصة موسى ﵇ ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى﴾ الآية [الأعراف: ١٤٢]، ولحديث النطفة والعَلَقة والمضغة، فإن التغير فيها في الأربعينات، فعُلم أن له دخلًا خاصًّا في تغير الأحوال، وبسط القسطلاني (^١) في تخصيص جبل حراء للتعبد، قال السهيلي في "الروض" (^٢): وهو الجبل الذي نادى رسول الله ﷺ حين قال له ثبير وهو على ظهره: اهبط عني فإني أخاف أن تُقْتَلَ على ظهري فأعذَّب، فناداه حراء: إليَّ إليَّ يا رسول الله ﷺ، انتهى.
(فيتحنث) من التحنُّث، وهو إلقاء الحنث، فإن التفعُّل تأتي لسلب المأخذ، وقيل: هو بمعنى يتحنَّف، أي: يتبع الحنيفية وهي دين إبراهيم، والفاء تبدل ثاءً في كثير من كلامه، وقد وقع في رواية ابن هشام في "السيرة" يتحنَّف بالفاء، كذا في "الفتح" و"القسطلاني" (^٣).
قال ابن هشام (^٤): تقول العرب: التَّحَنُّث والتَّحَنُف، يريدون الحنيفية، فيبدلون الفاء بالثاء، كما قالوا: جَدَفَ وجَدثَ، يريدون القبر، انتهى.
(وهو التعبد) تفسير للتحنث من أحد الرواة وهو الزهري، كما جزم به الطيبي فسَّره به مجازًا، و"الليالي" ظرف ليتحنث لا التعبد، وذكرُ الليالي يتناول الأيامَ بالأَولى، فإن البارزين إلى الفلوات يرجعون إلى بيوتهم في الليالي، فلو قال: أيامًا، لأوهم الرجوع إلى البيت في الليل، ويشكل أن العبادة لم تُشرع بعدُ، فالجواب أنهم اختلفوا في كيفية تعبُّده بناءً على أنه هل كان متعبدًا بشرع سابق أو لا؟ ففيه ثلاثة أقوال:

(^١) "إرشاد الساري" (١/ ١٠٦).
(^٢) "الروض الأنف" (٢/ ٣٩٢).
(^٣) انظر: "إرشاد الساري" (١/ ١٠٥)، و"فتح الباري" (١/ ٢٣).
(^٤) "السيرة النبوية" (١/ ٢٣٥).

2 / 289