108

Al-Radd al-jamīl ʿalā al-mushakkikīn fī al-islām min al-Qurʾān waʾl-Tawrāt waʾl-Injīl waʾl-ʿilm

الرد الجميل على المشككين في الإسلام من القرآن والتوراة والإنجيل والعلم

Publisher

دار المنارة للنشر والتوزيع والترجمة

Edition Number

الثانية

Publication Year

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

Publisher Location

المنصورة - مصر

Genres

٤٠ - وهنا ملحظ مهم يتعلق بمسألة التدرج في الشريعة، ذلك أن (التدرج) صفة لازمة للشريعة لا تفارقها أبدا، وليس خاصا ولا مقصورا على عصر التنزيل وزمن الرسول ﷺ
ولكن هذا التدرج الدائم يتفاوت بحسب حال المكلفين وظروفهم الخاصة، وأحوال بيئتهم، فالداخل في الإسلام حديثا، والناشئ في بلاد غير المسلمين، كالأوربيين والأمريكانيين، وكثير من هؤلاء لا يعرف من الإسلام إلا اسمه، ومنهم من لم يسمع حتى اسمه - هؤلاء يلقنون أصول الدين وأركان الإسلام، ثم يتدرج به إلى الشرائع، ولا يلقن منها إلا الأهم فالأهم، ولا سيما ما يتصل - بواقع بيئته، كحرمة الزنا والربا والخمر ولحم الخنزير.
وكذلك السلم الذي لم يكن له حظ من الالتزام بشريعة الإسلام وآدابه.
ولا يتوهمن أحد أن هذا المنهج التدرجي أنه إقرار لبعض المحرمات، وتفريط في بعض الواجبات، إنما هو التزام بصفة لازمة للشريعة.
يقول الإمام ابن تيمية، في فتاويه (٢٥ / ٥٩ - ٦٥): "فإذا حصل من يقوم بالدين من العلماء أو الأمراء أو مجموعهما.
كان بيانه لما جاء به الرسول شيئا فشيئا بمنزلة بيان الرسول لما بعث به شيئًا فشيئا.
ومعلوم أن الرسول لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به ولم تأتِ الشريعة جملة، كما يقال. إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع.
فكذلك المجدد لدينه والمحصي لسنته، لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به. كما أن الداخل في الإسلام لا يمكن حين دخوله أن يلقن جميع شرائعه ويؤمر بها كلها.
وكذلك التائب من الذنوب، والمتعلم، والمسترشد لا يمكن، فى أول الأمر، أن يؤمر بجميع الدين ويذكر له جميع العلم، فإنه لا يطيق ذلك، وإذا لم يطقه لم يكن واجبا عليه في هذه الحال، وإذا لم يكن واجبا لم يكن للعالم والأمير أن يوجبه جميعه ابتداء، بل يعفو عن الأمر والنهي بما لا يمكن علمه وعمله إلى وقت الإمكان، كما عفا الرسول عما عفا عنه إلى وقت بيانه، ولا يكون ذلك من باب إقرار المحرمات وترك الأمر بالواجبات؛ لأن
الوجوب والتحريم مشروط بإمكان العلم والعمل، وقد فرضنا انتفاء هذا الشرط.
فتدبر هذا الأصل فإنه نافع".

1 / 117