Al-Sunna wa-makānatuha li-l-Sabāʿī ṭ. al-Warrāq
السنة ومكانتها للسباعي ط الوراق
Edition Number
الأولى
Publication Year
سنة ٢٠٠٠ م
Genres
الفَصْلُ الأَوَّلُ: السُنَّةُ مَعَ الشِّيعَةِ وَالخَوَارِجِ:
لم يكن الصحابة في عهد رسول الله ﷺ يخالجهم أدنى شك في أن أمر الرسول واجب الاتباع وأنه مرسل إلى الناس كافة، وأن عليهم أن يُبَلِّغُوا رسالته إلى الناس جميعًا وإلى الأجيال المتلاحقة من بعدهم، ولقد أنبأنا التاريخ الثابت أنهم في حياة الرسول لم يكن بعضهم ينظر إلى بعض نظر الريبة أو العداء، بل كانوا إخوة متحابين، تجمعهم عقيدة واحدة وأهداف واحدة، ويربط بين قلوبهم جميعًا حُبُّ نَبِيٍّ وَاحِدٍ وكتاب واحد وشرع واحد، ولقد أخبر اللهُ عنهم بما يدل على تمكن الأُخُوَّةِ فيما بينهم بقوله: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ (١) وقال تعالى في الأنصار خاصة: ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ (٢).
وقد كانوا فيما بينهم مضرب الأمثال في الحب والتعاون والإيثار، لا يختلفون إلا في حق، وإذا اختلفوا فسرعان ما يفيئون إلى الحق حين يَتَبَيَّنُ لهم، ثم هم في خلافهم أكمل الناس أخلاقًا، وأوفرهم آدابًا، وأكثرهم صيانة لِلْحُرُمَاتِ، هكذا كانوا: لاَ يُكَذِّبُ بعضُهُم بَعْضًا، ولا يتهم بعضهم بعضًا، يعرفون لِلْمُتَقَدِّمِ منهم في إسلامه فضله، ويشكرون للمكثر منهم إتفاقه على الدعوة وبذله، ولا يحسد بعضهم بعضًا على ما آتاهم الله من خير وبركة، فحسبهم من الخير المشترك بينهم جميعًا، أنهم أصحاب رسول
(١) [سورة الفتح، الآية: ٢٩].
(٢) [سورة الحشر، الآية: ٩].
1 / 147