Manhaj al-Qurṭubī fī dafʿ mā yutawaham taʿāruḍihi min al-āyāt fī kitābih al-Jāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن
Genres
يَكْفُر، ولكن شَياطِينهم هُمْ الذين كَفَرُوا، وصَارُوا يُعَلِّمُون النَّاس السِّحْر، ويَدّعُون أنه أُنْزِل على هَارُوت ومَارُوت، اللذين سَمَّوهما مَلَكَين، ولم يَنْزِل عَليهما شَيء … فأنْتَ تَرَى أنَّ هَذا المقَام كُله ذَمّ، فلا يَصِحّ أن يَرِد فيه مَدْح هَارُوت ومَارُوت. والذي يَدُلّ على صِحَّة مَا قُلْنَاه فِيهما أنَّ القُرآن أنكَر نُزُول أيّ مَلَك إلى الأرْض لِيُعَلِّم النَّاس شَيئًا مِنْ عِند الله، غَير الوَحْي إلى الأنْبِيَاء، ونَصَّ نَصًّا صَرِيحًا أنّ الله لَم يُرْسِل إلَّا الإنْس لِتَعْلِيم بَنِي نَوْعِهم، فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [الأنبياء: ٧]، وقال مُنكِرًا طَلَب إنْزَال الْمَلَك: (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ) [الأنعام: ٨]، وقال في سورة الفرقان: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا) إلى قَولِه: (فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا) [الآيات: ٧ - ٩] (^١).
رأي الباحث:
الآية تَحْتَمِل أكْثَر مِنْ وَجْه:
فالوَجْه الأوّل: أنَّ "ما" نافية، وهو مَا رجَّحَه القُرطبي دُون غيره مِنْ الأقْوال، وهو مَا ذَهَبَ إليه القاسمي.
فيكون مَعنى قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ):
ومَا كَفَر سُلَيمَان ومَا أُنزِل على الْمَلَكَين، فَتَكُون جُمْلَة (وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) جُملة مُعْتَرِضَة، وبهذا يَسْتَقِيم الْمَعْنى، ولا يَكُون هُناك تَكَلُّف في القَول بالتَّقْدِيم والتَّأخِير.
(^١) محاسن التأويل، مرجع سابق (١/ ٤٠٥، ٤٠٦) باختصار يسير.
1 / 140