ومَارُوت بَدَل مِنْ الشَّياطين في قَوله: (وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا) هذا أوْلَى ما حُمِلَتْ عليه الآية من التَّأويل، وأصَحّ ما قِيل فيها، ولا يُلْتفَت إلى سِواه؛ فالسِّحْر مِنْ اسْتِخْرَاج الشَّياطِين لِلَطَافَة جَوْهَرِهم ودِقّة أفْهَامِهم (^١).
مُلخَّص جواب القرطبي:
أن اليَهود زَعَمتْ أن الله أنْزَل جِبريل وميكَائيل بالسِّحْر. فَرَدّ الله ذلك.
وتَقْدِير الآية: وما كَفَر سُلَيمَان وما أُنْزِل على الملكين مِنْ سِحْرٍ.
مُقارنة جوابه وجمعه بين الآيات بجمع غيره من العلماء:
روى ابن جرير - بإسناده - إلى ابن إسْحَاق أنَّ رَسُول الله لما ذَكَر سُلَيمَان بن دَاود في الْمُرْسَلِين. قال بعض أحْبَار اليَهود: ألَا تَعْجَبُون مِنْ مُحَمد يَزْعُم أنَّ ابن دَاود كان نَبِيًّا، والله ما كان إلَّا سَاحِرًا؛ فأنْزَل الله في ذلك مِنْ قَولهم: (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا)، أي: باتِّبَاعِهم السِّحْر وعَمَلِهم بِه، وما أُنْزِل على الْمَلَكَين بِبَابِل هَارُوت ومَارُوت.
ثم قال ابن جرير: فإذا كان الأمْر في ذَلك على مَا وَصَفْنا وتَأويل قَوله: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا) مَا ذَكَرْنا، فَبَيِّنٌ أنَّ في الكَلام مَتْرُوكًا تُرِك ذِكْره اكْتِفَاء بما ذُكِر مِنه، وأنَّ مَعْنَى الكَلام: واتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّياطِين مِنْ السِّحْر على مُلْك سُلَيمَان، فتُضِيفه إلى سُلَيمان، ومَا كَفَر سُلَيمَان فَيَعْمَل بالسِّحْر، ولكن الشَّياطِين كَفَرُوا يُعَلِّمون النَّاس السِّحْر.