The Afro-Asian Idea
فكرة الإفريقية الآسيوية
Investigator
(إشراف ندوة مالك بن نبي)
Publisher
دار الفكر
Edition Number
الثالثة
Publication Year
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
Publisher Location
دمشق سورية
Genres
وفي بعض الحالات اضطرهم إلى أن يفكروا ويعملوا للمرة الأولى في ظل مفهوم اجتماعي، حين انتزعهم من أحوالهم البدائية، وزج بهم في نوع من الحياة جديد، فعرضهم بذلك لعقبات اجتماعية جديدة، ومصاعب جديدة في سبيل التكيف، واختبارات أدبية عقلية جديدة كوَّنت شيئًا فشيئًا شخصياتهم الجديدة.
ومما لا جدال فيه أن الاستعمار قد حرَّك جزءًا من الإنسانية، ونحن مدينون لـ (جون أرنولد تويبي) باستعارة رائعة حين وصف الركود المزمن في بعض المجتمعات البدائية الساكنة على- الكورنيش الناتئ في الجبل- الذي يعد في رأيه قاعدة الانطلاق للمجتمعات المتطورة نفسها، عندما وجدت هذه المجتمعات نفسها في فجر التاريخ، في طريقها إلى تسلق- الجانب الوعر من الحضارة- ويمكننا القول- إذا استخدمنا هذه الاستعارة- بأن المجتمعات البدائية قد بدأت بدورها في تسلق هذا الجانب بفضل الاستعمار، وأن سوطه اللعين هو الذي أيقظ المتأخرين الذين ما زالوا يأخذون- حمام الشمس- على (الكورنيش) شأنها في ذلك شأن الأبراص.
على أن من الطبيعي أن يكون طابع الاستعمار أكثر عمقًا في أوروبا إذ هو يتشبث بسلوك يتفق مع (إرادة القوة) وثقافة الإمبراطورية، ومع نوع من الحياة يسير جنبًا إلى جنب مع النمو الصناعي.
ولقد كان طابعه ملحوظًا حتى في النطاق الأدبي، ليس هذا في الميدان الذي يحتله التعليم الاستعماري في النظام الجامعي فحسب، كيما يهيئ بعض الإداريين الاستعماريين، بل في ميدان الاجتهاد العلمي ذاته. فمن الواضح أن المستعمرات قد قدمت إلى العلماء حقلًا جديدًا للاستكشاف، ومصدرًا للمعرفة الجوهرية عن المجتمعات البدائية، التي ترشد الدارسين في دراساتهم للتطور الإنساني في بدايته. وعليه، فلو أننا وضعنا هذه المسألة في ضوء آخر، غير الضوء الأخلاقي، فربما
لا ننكر خصوبة الواقع الاستعماري في كثير من الميادين. ولكننا لا نستطيع أيضًا
1 / 49