Thawra Thaqafiyya Muqaddima Qasira
الثورة الثقافية الصينية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
ظلت جيانج تشينج سجينة سياسية حتى انتحارها في عام 1991، وقد كانت تصنع دمى لبيعها بالخارج، ربما في إطار الاقتصاد الجديد الموجه نحو التصدير. وقد ألغيت هذه المهمة حين اكتشف حراس السجن أنها طرزت اسمها على كل دمية. وقام الحزب بفصل قائدي الجهاز الأمني الراحلين، كانج شينج وشيه فوشي، وذلك بعد وفاتهما؛ حتى خطب التأبين التي كانت ستلقى خلال جنازتهما ألغيت رسميا. وصاحب حركات التطهير الواسعة على المستوى المحلي حوادث انتحار لبعض الناشطين اليساريين. وكانت محاكمة عصابة الأربعة إيذانا بموجة ثانية من حركات التطهير المحلية، والتي شملت أشخاصا كانوا من نشطاء الحرس الأحمر قبل حوالي عقدين، وكذلك «أبطال» الثورة الثقافية الراحلين، مثل منتقد اختبارات الجامعة شانج تيشينج، الذي حكم عليه بالسجن لمدة خمسة عشر عاما بتهمة التخريب.
وأعيد الكثير من المسئولين الذين كانوا مدحورين يوما ما إلى مناصب عليا، تارة في أدوار شرفية فقط، وتارة بغرض الانتقام. وكوفئ كثيرون بالسفر للخارج. وعلى مستوى أقل رسمية، كان لأبنائهم في الغالب الأفضلية في الترقيات. وفي استخدام لمبدأ الرمزية العامة الأكثر تعميما، وضع تصميم جديد لعملة الصين الورقية أضيف من خلاله مفكر ذو نظارات إلى ثلاثية العامل، والفلاح، والجندي الماوية، مما أضفى طابعا رسميا على فكرة تجدد الاحترام للمفكرين والمثقفين.
أعادت الدولة الكثير من الممتلكات المصادرة إبان الثورة الثقافية. وبحلول عام 1985، قامت إدارة الآثار الثقافية ببكين «مكتب البضائع المنهوبة أثناء الثورة الثقافية»، بعرض 30 ألف عمل فني لم تتم المطالبة بها، و170 ألف كتاب، حتى يتسنى للمواطنين تقديم مطالبات لاستردادها. وليس مستغربا أن تكون أكثر المقتنيات جاذبية قد جذبت دعاوى مطالبة عديدة.
غير أن المنتقدين أرادوا المزيد؛ فلم انتقاد الثورة الثقافية دون مشروع القفزة الكبرى للأمام؟ فأراد آخرون من الحزب التبرؤ من حملة 1957 المضادة لليمينيين، فيما أراد آخرون تبرؤا من الثورة ذاتها. ولم يستطع قادة الدولة والحزب إرضاء جميع المواطنين الصينيين، الذين تراوحوا ما بين العمال الذين تحسنت حياتهم والمثقفين الذين عانوا معاناة مريرة. وفي النهاية تعاملت الصين مع ماضيها المثير للجدل، مثلما فعلت المجتمعات الأخرى؛ بفرض قيود مخيبة للآمال.
في ظل هذه القيود، كانت الإشارات واضحة؛ فقد اتخذ الحزب موقفا دفاعيا، ملقيا أكبر قدر ممكن من اللوم على كاهل ماو وعصابة الأربعة، ثم حث الجميع على «الالتفات للمستقبل». ولكن إذا أدرجنا ضمن ضحايا الثورة الثقافية أي شخص لقي أحد أفراد عائلته معاملة مجحفة، فربما يكون 100 مليون صيني قد أصابهم الضرر. ومع تزايد أعداد المسئولين المخلوعين ممن حظوا بإعادة التأهيل واستعادوا مناصبهم السابقة، وجد كثيرون أنفسهم يتقاسمون مناصبهم مع من كالوا لهم الاتهامات في السابق بشكل مثير للتوتر. وأصبح النظر للمستقبل أكثر ضرورة وإلحاحا، ولكنه أقرب للمستحيل.
بدأ الحزب في إزالة صفة التقديس عن الماوية. كان ماو قد دفن في ضريح ضخم في وسط ميدان تيانامين، وهو الأمر الذي أثار بعض الجدل، وبدلا من نقل المقبرة، اختار الحزب توسيع النصب التذكاري ليضم خمسة آخرين من قادة الحزب هم: ليو شاوشي، وشو دي، وشو إن لاي، وتشن يون، و دنج شياو بينج (فيما بعد). واستمر نشر كتاب «الأعمال المجمعة» لماو في أربعة مجلدات، ضمت كتاباته خلال ثورة عام 1949. ونشر مجلد خامس أحدث، تألف من المقالات التي كتبها ما بين عامي 1949 و1976، ولكنه بدا متطرفا أكثر من اللازم وتم سحبه.
تم تفكيك المئات من التماثيل التي لم تعد مسايرة للعصر آنذاك، وكان الكثير منها منصوبا في حرم الجامعات، حيث لم تحظ بشعبية كبيرة بوجه خاص. وفي جامعة بكين في نهاية عام 1987، عرض أحد الأساتذة الجامعيين قطعا من تمثال محطم في مكتبه. ومثلما يقدم الصينيون الآخرون الشاي، أو الفاكهة ، أو السجائر لضيوفهم، كان هذا الأستاذ الجامعي يرحب بضيوفه بإهدائهم قطعا من تمثال ماو. وقد كان تمثال ماو المفكك رمزا لحس الشجاعة الجديد الذي تولد لدى المثقفين، وانتصارهم على وجود كان متسلطا يوما ما وأحيانا ما كان مصدر تهديد.
شمل رد فعل الحزب المضاد لماو حذف «الحقوق الأربعة الكبرى» من الدستور القومي في عام 1980، فاختفت حرية إبداء الرأي، وإذاعة الآراء كاملة، وعقد مناقشات موسعة، وكتابة الملصقات ذات الأحرف الكبيرة كحقوق (إلى جانب حق الإضراب). وقد رأى ذوو الحنكة في الحزب في هذه التدابير الاحتياطية تشجيعا لمنتقديهم. علاوة على ذلك، كانت الحقوق الأربعة الكبرى قد وضعت لتوها موضع التنفيذ في مظاهرات 1979 الشعبية عند حائط الديمقراطية ببكين.
ولكن لم يستطع دنج وأعوانه التأكد من إحكام زمام السيطرة؛ فقد كان من ضمن المتظاهرين الحرس الأحمر السابق العائد حديثا من الريف والمتعطش لإيجاد وظائف وللإصلاحات السياسية، وكانت ملصقاتهم ذات الأحرف الكبيرة بشكل خاص مصدر رعب للقادة لما يحملونه من ذكريات عصيبة للتنديدات والاتهامات الماضية. واستغلوا الأزمة بنجاح للقضاء على الحركات السياسية الجماهيرية، والتي قد تعد أهم إرث سياسي تركته الماوية. غير أن الحقوق الأربعة الكبرى، حسب أسلوبهم، كانت تحمي أيضا حرية التعبير في مواجهة السلطة. أما الحكومات الغربية، فقد نظرت في الاتجاه الآخر، إما لدعم نظام دنج الجديد، أو لأنها لم تستطع تخيل تراث ماو دون تداعيات سلبية على حقوق الإنسان.
شملت الكتب والمقالات عن الثورة الثقافية مذكرات وكتبا هزلية، وكلا النوعين كانا غالبا ما يستهدفان إعادة تأسيس الموقع الاجتماعي المنهار للمثقفين. وشملت الدعابات عن الثورة الثقافية العامل الذي تولى مسئولية مركز للفنون، والذي حين دمرت الأمطار غرفة التحميض، قام بتحميض الفيلم بالخارج، أو عامل عين أمينا لمكتبة وقام بتصنيف الرواية الروسية الشهيرة «كيف سقينا الفولاذ» تحت فئة كتب علم المعادن.
Unknown page