فأجاب وهو يمسح بيده الكبيرة على وجهه: أنا خادم السادة.
كلا. وهو العوامة كما قال. الحبال والفناطيس والزرع والطعام والمرأة والأذان.
وقام متأبطا المنشفة فدخل من باب جانبي في ذات الجدار إلى الحوض ليغسل يديه، وعاد وهو يقول لنفسه إن الإفراط وحده كان السبب في أن أكثر الخلفاء لم يعمروا طويلا.
ورأى عم عبده منهمكا في تنظيف المائدة منحني الظهر كنخلة مقوسة، فسأله مداعبا: ألم تر عفريتا في حياتك؟ - رأيت كل شيء.
فغمز بعينه متسائلا: ألم تسكن أسرة شريفة هذه العوامة أبدا؟ - أووه! - يا خفير اللذات! لو لم تحب هذه الحياة لهجرتها من أول يوم. - لكني بنيت المصلى بيدي!
ونظر إلى الكتب المصفوفة فوق الأرفف التي تشغل الجدار الطويل إلى يسار الداخل.
مكتبة التاريخ منذ العصر الخالي حتى عصر الذرة. مجال خياله وكنز أحلامه. وتناول كيفما اتفق كتاب ك. ك. عن الرهبنة في العصر القبطي ليطالع فيه ساعة أو ساعتين قبل القيلولة كعادته كل يوم. وفرغ عم عبده من عمله فاقترب منه مستطلعا آخر تعليماته قبل أن يذهب، عند ذاك سأله: ماذا يجري في الخارج يا عم عبده؟ - كالعادة يا سيدي. - ألا جديد هناك؟ - لم لا تخرج يا سيدي؟ - كل يوم أذهب إلى الوزارة. - أعني أن تخرج للفرجة.
فضحك قائلا: عيناي تنظران إلى الداخل لا إلى الخارج كبقية عباد الله!
وصرفه وهو يوصيه بأن يوقظه قبيل المغرب إذا غلبه النوم.
3
Unknown page