النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ ١. وهذه الآية أخص من هذا كله فإنه قال: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ ٢. أي: أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية. وقد ثبت في "الصحيحين" أنها نزلت في أبي طالب، وقد كان يحوطه وينصره، ويقوم في حقه، ويحبه حبًا طبعيًا لا حبًا شرعيًا، فلما حضرته الوفاة وحان أجله دعاه رسول الله ﷺ إلى الإيمان والدخول في الإسلام فسبق القدر فيه، واختطف من يده، واستمر على ما كان عليه من الكفر ولله الحجة البالغة. فإن قلت: قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ٣.
فالجمع بينها وبين الآية. المترجم لها، قيل: الهداية التي تصح نسبتها لغير الله بوجه ما هي هداية الإرشاد والدلالة، كما قال: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ٤. أي: ترشد وتبين، والهداية المنفية عن غير الله هي هداية التوفيق وخلق القدرة على الطاعة، ذكره بعضهم بمعناه.
قال: في " الصحيح " عن ابن المسيب عن أبيه قال. "لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله ﷺ وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل فقال: يا عم قل: لا إله إلا الله كلمة أُحَاجُّ لك بها عند الله، فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فأعاد عليه النبي ﷺ فأعادا، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله. فقال النبي ﷺ لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك فأنزل الله ﷿: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى﴾ [التوبة] " وأنزل الله في أبي طالب: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ ٥.
ش: قوله في "الصحيح". أي "الصحيحين".
قوله: (عن ابن المسيب)، هو سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي