هي أرواح جميلة، لا حد لروعتها، في نظراتها تلك الدعة التي لا تحاكى، والتي هي سر الآلهة.
هذه الأرواح الملوكية كشفت لي الغطاء عن تاريخ مصر القديم المجيد، ومنها عرفت كيف كان صنيع أولئك الملكات، اللواتي حلت فيهن روح الوطن أجيالا طوالا، وفي حضرتهن خطرت على القلب ذكرى ملكات أخر، من ملوك العهد الإسلامي العظيم.
ولما أحطت خبرا بأطراف ماضيهن، علمت علما ليس بالظن مبلغ ما باء به الشرق من خسران جلل، بنسيانه حتى الأسماء ممن كن لتاجه الخلاب زينة لا يبلغها ثمن.
وما كنت لأحاول ها هنا تدوين تاريخ الملكات المصريات؛ فذلك يعلو على متناول قواي وما لدي من وسائله، إنما أريد أن أجمع في سلسلة رسائل - أنشرها تباعا - تذكار أحاديث وتأملات تداولتها مع بعض أولئك الملكات.
ويلذ لي أن أشعر بأن تلك الأرواح المصرية المجتباة بين النساء، تستطيع أن تحمل من ملأها الأعلى إلى مصريات هذا الزمن، نفحة نور وقوة عزم من نفحات عنصرهن الأول.
طائف حلم
عند الملكة «هاتاسو» في الدير البحري موازاة بين ملكتين
كنت جالسة إلى الشباك الكبير في طنف البكور، وأسلمت إلى الخيال خواطري، ناظرة إلى الظل يجري فوق الجبل منهزما رهيبا كما تنهزم الحياة. كان الظل يسير ذاهبا، وكلما نظرت إليه رأيته يأخذ في الهوي منسابا رجراجا فوق أقفاف من ذهب، وقد عادت دارة الشمس غير مغمورة بالضياء، والغبش ينحدر على السهول رويدا رويدا، ويصطبغ الفضاء زرقة واحمرارا.
مضى أيضا يوم في «طيبة»، المدينة الساحرة الرائعة التي تهدأ في أكنافها اللوعات، ودنا الليل.
وهناك عند حاشية البساط الأخضر من مروج القمح وقصب السكر، تتألق دائما صفحة النيل طرازا طوالا، وتخلص واضحة للناظر من فوق طرف الصحراء الذرى ذوات الثنايا للأعلام الثلاثة المتباعدة.
Unknown page