Al-Taʾwīlāt al-Najmiyya fī al-tafsīr al-ishārī al-ṣūfī
التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
Genres
[محمد: 23]، وقال:
فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور
[الحج: 46]، { فنردها على أدبارهآ } [النساء: 47]؛ أي: فيرد وجوههم الناظرة إلى الله عما كانوا عليه في الميثاق على أدبارها؛ وهي الدنيا والهوى، { أو نلعنهم } [النساء: 47]؛ أي: نبعدهم عن الحضرة ونطردهم، ونمسح صفاتهم الإنسانية بالسبعية والشيطانية، { كما لعنآ أصحب السبت } [النساء: 47]؛ أي: مسخناهم بالصورة ونمسخ هؤلاء بالمعنى، ومسخ المعنى أشد وأصعب من مسخ الصورة، فإن أعمى الصورة يمكن أن يكون في الآخرة بصيرا، ولكن من كان في هذا أعمى بالقلب
فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا
[الإسراء: 72]، وفضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة، { وكان أمر الله } [النساء: 47]؛ أي: حكمه وقضاؤه في الأزل { مفعولا } [النساء: 47]، لا محيض عنه لوقوع الفعل في الأبد نظيره،
وكان أمر الله قدرا مقدورا
[الأحزاب: 38]، ولما لم يكن حجاب أعظم من الأنانية فإنها الشرك الخفي، قال الله تعالى: { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشآء } [النساء: 48]، واعلم أن للشرك مراتب وللمغفرة مراتب، فمراتب الشرك ثلاث:
الجلي والخفي والأخفى، وكذلك مراتب المغفرة، فالشرك الجلي: بالأعيان وهو للعوام، وذلك تعبد شيء من دون الله: كالأصنام والكواكب وغيرها، فلا يغفر إلا بالتوحيد وهو إظهار العبودية في إثبات الربوبية مصدقا بالسر والعلانية، والشرك الخفي: بالأوصاف وهو الخواص، وذلك ثبوت العبودية بالالتفات إلى غير الربوبية، وإلى العبادة: كالدنيا والهوى، وما سوى المولى فلا يغفر إلا بالوحدانية، وهي أفراد التوحيد ليتصل بالواحد، والشرك الأخفى: وهو للأخص، وذلك رؤية الأغيار والأنانية، فلا يغفر إلا بالواحدانية وهي فناء الناسوتية في بقاء اللاهوتية ليبقى بالهوية دون الأنانية، { إن الله لا يغفر } [النساء: 48]، بمراتب المغفرة { أن يشرك به } [النساء: 48]، بمراتب الشرك، { ومن يشرك بالله } [النساء: 48]، بمراتب الشرك { فقد افترى إثما عظيما } [النساء: 48]؛ أي: جعل بينه وبين الله حجابا من إثبات وجود الأشياء والأنانية وهي أعظم الحجب، كما قيل: وجودك ذنب لا يقاس به ذنب.
[4.49-52]
ثم أخبر عمن زكى نفسه ونسي أمه بقوله تعالى: { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم } [النساء: 49]، إشارة في الآيتين: إن الذين يزكون أنفسهم من أهل العلوم الظاهرة بالعلم، ويباهون به العلماء ويمارون به السفهاء لا تتزكى أنفسهم بمجرد تعلم العلم؛ بل يحصل لهم ذلك صفات أخرى من المذمومات مثل: المباهاة والمماراة، والمجادلة والمفاخرة، والعجب والكبر، والحسد والرياء، وحب الجاه والرياسة، وطلب الاستيلاء والغلبة على الأقران وإيذائهم وأمثال ذلك، فينقم هذه المذمات مع سائر الصفات النفسانية، وتزيد في أمارية النفس بالسوء، وتمردها عن الحق، { بل الله يزكي من يشآء } [النساء: 49]، لا بتزكية، وتهيأ لها بتسليم النفس إلى أرباب التزكية وهم العلماء الراسخون والمشايخ المحققون، كما يسلم الجلد إلى الدباغ ليجعله أديما، فمن سلم نفسه للتزكية ويصبر على تصرفاته ويسعى إلى إشاراته ولا يتعرض على معاملاته ويقاسي شدائد أعمال التزكية فقد أفلح بما تزكى، { ولا يظلمون فتيلا } [النساء: 49]؛ يعني: ولا يضيقون ما عملوا في التزكية بمقدار القيل، بل يرون آثره في تزكية نفوسهم، يدل عليه قوله تعالى:
Unknown page