Al-Taʾwīlāt al-Najmiyya fī al-tafsīr al-ishārī al-ṣūfī
التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
Genres
ثم شرح أقسام التقوى والتزكية بقوله تعالى: { الذين ينفقون في السرآء والضرآء } [آل عمران: 134]؛ أي: ينفقون أموالهم وأرواحهم في الضراء، بل ينفقون المكونات في طلب المكون، { والكاظمين الغيظ } [آل عمران: 134]؛ أي: عند القدرة على إنقاذه لطلب رضاء الله تعالى، { والعافين عن الناس } [آل عمران: 134]؛ يعني: يصدر منهم برؤية مصدر الأفعال إنه هو الله تعالى، { والله يحب المحسنين } [آل عمران: 134]؛ يعني: الذين لهم هذه الأخلاق، { والذين إذا فعلوا فاحشة } [آل عمران: 135]، وهي رؤية غير الله، { أو ظلموا أنفسهم } [آل عمران: 135]، وذلك تعلقاتها بما سوى الله، { ذكروا الله } [آل عمران: 135]، بالنظر إليه ورؤيته، { فاستغفروا لذنوبهم } [آل عمران: 135]، التجئوا إليه في قطع التعلقات عما سواه، { ومن يغفر الذنوب إلا الله } [آل عمران: 135]؛ أي: ومن يستر بكنف عواطفه ذنوب وجود الأغيار إلا الله، { ولم يصروا على ما فعلوا } [آل عمران: 135]، ولم يثبتوا على رؤية الوسائط والتعلق بتا، { وهم يعلمون } [آل عمران: 135]، " ألا إن كل شيء ما خلا الله باطل ".
{ أولئك } [آل عمران: 136]؛ يعني: الذي فيهم هذه الأقسام، { جزآؤهم مغفرة من ربهم } [آل عمران: 136]؛ أي: هم مستحقون لمقامات القربة، { وجنات تجري من تحتها الأنهار } [آل عمران: 136]؛ يعني: من مياه العناية خالدين فيها مشفعين إلى الأبد فيما يسارعون إليه، { ونعم أجر العاملين } [آل عمران: 136]، الذي سارعوا مما نالوا من الدرجات العلا وقربات المولى، والإشارة فيه: إن نيل المقصود في بذل المجهود، كما قال تعالى:
وأن ليس للإنسان إلا ما سعى
[النجم: 39].
[3.137-140]
ثم أخبر عن سنن أهل السنن بقوله تعالى: { قد خلت من قبلكم سنن } [آل عمران: 137]، إشارة في الآيات: إن الله تعالى خص السائرين إلى الله تعالى بالمهاجرة عن الأوطان والمسافرة إلى البلدان؛ لمفارقة الخلان والأخدان ومصاحبة الإخوان غير الخوان، فيصبروا عن سنن أهل السنن فقال تعالى: { قد خلت من قبلكم سنن } [آل عمران: 137]؛ أي: أمم لهم سنن، { فسيروا } [آل عمران: 137] على سنن أهل السنة، { في الأرض } [آل عمران: 137]، نفوسكم الحيوانية بالعبور من أوصافها الدنية وأخلاقها الردية لتبلغوا سماء قلوبكم الروحانية، وتتخلقوا بالأخلاق الربانية { فانظروا } [آل عمران: 137]؛ أي: ثم انظروا { كيف كان عاقبة المكذبين } [آل عمران: 137]؛ أي: صار حاصل أمر النفوس المكذبة بهذه المقامات الروحانية والمكاشفات الربانية عند الوصول إليها.
{ هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين } [آل عمران: 138]، أي: لأهل الغفلة والغيبة الناسين عهد الميثاق { وهدى وموعظة للمتقين } [آل عمران: 138]؛ لأهل الهداية والشهود الذاكرين للعهود الذين انقطعوا بالتجارب واتقوا عما سوى الله { ولا تهنوا } [آل عمران: 139]، يا سائرين إلى الله في السير إليه { ولا تحزنوا } [آل عمران: 139]، على ما فاتكم من تنعمات الدنيا والكرامات الأخروية { وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } [آل عمران: 139]؛ يعني: وأنتم الأعلون من أهل الدنيا والآخرة في المقام عند ربكم إن كنتم مصدقين بهذه الأخبار تصديق الائتمار { إن يمسسكم قرح } [آل عمران: 140]، في أثناء السير من المجاهدات وأنواع البلاء والابتلاء { فقد مس القوم } [آل عمران: 140] من الأنبياء والأولياء، { قرح } [آل عمران: 140] من المحن، { مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس } [آل عمران: 140]؛ أي: من المحن والبلاء والابتلاء والامتحان { نداولها } [آل عمران: 140] بين السائرين إلى يوما نعمة ويوما نقمة ويوما منحة ويوما محنة، { وليعلم الله الذين آمنوا } [آل عمران: 140]، أي: لتحيزهم بالابتلاء والامتحان، ويجعلهم مستعدين لمقام الشهادة، { ويتخذ منكم } [آل عمران: 140] يا مبتلون بالنعمة والنقمة في آثار السير { شهدآء } [آل عمران: 140] أرباب الشهود والمشاهدة، { والله لا يحب الظالمين } [آل عمران: 140]؛ يعني: الذين يصرفون استعدادهم في طلب غير الحق والسير إليه.
[3.141-144]
ثم أخبر عن فوائد الابتلاء والأعداء بقوله تعالى: { وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين } [آل عمران: 141]، { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة } [آل عمران: 142]، إشارة في الآيات: إن قوله تعالى: { وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين } [آل عمران: 141] دال على أن كل هم وغم وبلاء وعناء ومحنة ومصيبة تصيب المؤمنين في الله يكون تكفيرا لذنوبهم، وتطهير لقلوبهم، وتخليصا لأرواحهم، وتمحيصا لأسرارهم، وما يصيب الكافرين من نعمة ودولة وحبور وسرور وغنى ومنى في الدنيا يكون سببا لكفرانهم، ومزيدا لطغيانهم، وغرورا لخذلانهم، وعمى لقلوبهم، وتمردا لنفوسهم، ومحقا لأرواحهم ولقلوبهم، وسحقا لأسرارهم، وفيه إشارة أخرى { وليمحص الله الذين آمنوا } [آل عمران: 141]؛ يعني: البلاء لأهل الولاء بتمحيص القلوب عن ظلمات العيوب، وتنويرها بأنوار الغيوب، { ويمحق الكافرين } [آل عمران: 141] بالبلاء؛ يعني: يمحق صفات نفوسهم الكافرة، ويمحو سمات أخلاقهم الفاجرة؛ ليتخلصوا عن تدنس حبس قفص الأشباح، ويفوزوا بتقديس رياض حظائر الأرواح كما قال تعالى: { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة } [آل عمران: 142]، إن تلجوا عالم الملكوت ورياح الأرواح، { ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين } [آل عمران: 142]، ولم ير الله منكم مجاهدات تورث المشاهدات، ولم ير الصبر منك عن تزكية النفوس على وفق الشريعة، وتصفية القلوب على قانون الطريقة، وتحلية الأرواح بأنوار الحقيقة.
{ ولقد كنتم } [آل عمران: 143] يا أرباب الصدق وأصحاب الطلب { تمنون الموت } [آل عمران: 143]؛ يعني: موت النفوس عن صفاتها تزكية لها، { من قبل أن تلقوه } [آل عمران: 143]؛ يعني: قبل أن تلقوا مجاهدات ورياضات في خلاف النفس وقهرها عند لقاء العدو في الجهاد الأصغر ظاهرا، وفي الجهاد الأكبر باطنا، { فقد رأيتموه وأنتم تنظرون } [آل عمران: 143]؛ يعني: إذا رأيتم هذه الأسباب التي كنتم تمنون عيانا { وأنتم تنظرون } [آل عمران: 143] ولا تغذون أرواحكم، ولا تجاهدون في الله بأموالكم وأشباحكم في قوله تعالى: { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } [آل عمران: 144]، إشارة إلى: إن الإيمان التقليدي لا اعتبار له فيبطل المقلد عن إيمانه عن انعدام المقلد به، فمن كان إيمانه بتقليد الوالدين والأستاذ وأهل البلد
Unknown page