347

Tawilat

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

Genres

[مريم: 6]، وقال صلى الله عليه وسلم:

" العلماء ورثة الأنبياء، لم يورثوا دينار أولادهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر، والله أعلم ".

واعلم: أن العالم بما فيه كشجرة وثمرتها أهل المعرفة، فهم درة صدفة العالمين وخلاصة الكونين، وزبد اليقين، ولب قشر الوجود قلب شخص الموجود وستر: " فخلقت الخلق؛ لأعرف " { والله سميع } [آل عمران: 34] لدعائهم واستدعائهم { عليم } [آل عمران: 34]، بأحوالهم وخصالهم بهم يمطرون وبهم يرزقون.

ثم أخبر عن تحرير بنت عمران لرضاء الرحمن بقوله تعالى: { إذ قالت امرأت عمران } [آل عمران: 35]، إشارة في الآية: إن تعلم أن لله تعالى في كل ذرة من ذرات الموجودات حركة، ولحركتها أسرارا لا يعلمها إلا الله، فبعضها يظهر بعضها لتغير فيه وتقيس الباقي عليه، مثل ما رأت حنة طائرا بطعم فرخا فتحركت لذلك نفسها للولد وهي عجوز، فدعت الله تعالى أن يهب لها ولدا كما مر ذكره، فانظر ماذا خرج الله من الأسرار عن إطعام ذلك الطائر فرخه، وظهر من الآيات والمعجزات من تلك الساعة إلى يوم القيامة بواسطة مريم وعيسى - عليهما السلام - كقوله:

وجعلنا ابن مريم وأمه آية

[المؤمنون: 50]، فأول الآية منها أن حنة حملت بمريم مع كبر سنها، ثم { قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا } [آل عمران: 35]، فإن تحريها إياها ما كان إلا بإلهام رباني، قالت: { فتقبل مني إنك أنت السميع العليم } [آل عمران: 35]، وما قالت فأقبل مني؛ لأن معنى القبول راجع إلى التحرير؛ أي: فاقبل مني تحريرا إياها وأعطني عليه الثواب؛ ومعنى التقبل راجع إلى المحرى؛ أي: تقبلها مني بأن تكفلها وتربيها تربية المحررين، بيانه قوله تعالى: { فتقبلها ربها } [آل عمران: 37]؛ أي: تقبل الله مريم أن يربيها، { إنك أنت السميع } [آل عمران: 35]، الذي يسمع دعاء المضطرين، وتحبيبهم العلم الذي يعلم ضمير الداعي قبل أن يدعوا به، ويعلم ما المحرر في بطنها ولا تعلم الحامل ما هو، ويعلم ما في بطن المحرر ما أودع من كلمة وروح منه، وهي لا تعلم.

{ فلما وضعتها قالت رب إني وضعتهآ } [آل عمران: 36]؛ أي: أردت أن يكون المولود ذكرا يصلح للتحرير، فكان أنثى على خلاف رؤيتي { أنثى } [آل عمران: 36]، فعاملها الله، { والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } [آل عمران: 36]؛ فعاملها الله { فتقبلها ربها } [آل عمران: 37]، يعني مريم { بقبول حسن } [آل عمران: 37]؛ يعني: بقبول ذكر، وفيه معنى آخر؛ أي: تقبل الله مريم بدعاء حنة بقولها: { فتقبل مني } [آل عمران: 35]، ورباها تربية التقبل والتكفل، ثم قبلها بقبول حسن؛ يعني: أخرج منها مثل عيسى عليه السلام، ويحتمل أيضا أن يقال: { وأنبتها نباتا حسنا } [آل عمران: 37]؛ أي: أثبت لها نباتا حسنا؛ يعني: عيسى عليه السلام، دليله قوله تعالى:

والله أنبتكم من الأرض نباتا

[نوح: 17]؛ أي: أنبت لكم.

ثم أخبر عن آية أخرى من آياته الكبرى بقوله تعالى: { وكفلها زكريا } [آل عمران: 37]، إشارة في الآية: إن الله تعالى لما أراد أن يخرج عيسى عليه السلام من مريم بلا أب، فمن كمال حكمته جعل تكفل مريم إلى زكريا عليه السلام؛ لئلا يدخل عليها غيره، فيكون أبعد من التهمة عند الخلق، { كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا } [آل عمران: 37]؛ إظهارا لكرامتها لديه لتكون بريئة عن التهمة عند زكريا، فيقول لها: { قال يمريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله } [آل عمران: 37]؛ أي: بأي سبب وطاقة وجدت هذه الكرامة؟ قالت: ليس هذا بسبب من عندي؛ بل هو فضل من عند الله، { إن الله يرزق من يشآء بغير حساب } [آل عمران: 37]، بغير سبب من الأسباب، وفيه معنى آخر، وجد عندها رزقا من فتوحات الغيب الذي يطعم الله به خواص عباده، الذين يبيتون عنده لا عند أنفسهم ولا عند الخلق، كقوله صلى الله عليه وسلم:

Unknown page