Tawilat
التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
Genres
" ألا من طلبني وجدني "
، فأين الطلاب في طلبي { فإذا بلغن أجلهن } [البقرة: 234]، وانقضت عدة الطلب بمضي مدة العمر { فلا جناح عليكم } [البقرة: 234]، يا أهل الإسلام { فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف } [البقرة: 234]، في طلب المرام فإن الناقد بصير { والله بما تعملون خبير } [البقرة: 234]، فلا يضيع عمل عامل منكم بالنقير والقطمير،
وإن تك حسنة يضعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما
[النساء: 140].
ثم أخبر عن تعريض الخطبة قبل انقضاء العدة بقوله تعالى: { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النسآء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا } [البقرة: 235]، والإشارة فيها أن الله تعالى من كمال رأفته، وشمول عاطفته يظهر آثار فضله، وكرمه في حق الخاطب والزوجة والمتوفي جميعا؛ ففي حق الخاطب أن رخص له في الخطبة بالتعريض، وإن منعه بالتصريح، كيلا يفوته نكاح مرغوبته بأن يسبقه فيه غيره، وقال تعالى: { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النسآء } [البقرة: 235]، إلى قوله قولا معروفا، وفي الزوجة بما أجاز للمعرض في خطبتها تسلية لقلبها بأنها تنكح بعد زوجها، ويعوضها الله بدلا خيرا من زوجها أو مثله، وفي المتوفى برعاية حقه بعد وفاته؛ لأن لا يصرخ أحد في خطبته زوجته ولا يغرم عقدة النكاح حتى يتم عدتها في حفظ وفاته، وقال تعالى: { ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } [البقرة: 235]، ثم قال تعالى: { واعلموا } [البقرة: 235]؛ أي: الرجال والنساء { أن الله يعلم } [البقرة: 235]، بعلمه الأزلي { ما في أنفسكم } [البقرة: 235]، ما قدر من السعادة والشقاوة والرزق والأمل والأجل والعمل وما دبر وما ركب وما عنى وما خلق ما دبر من التسويل، والتعديل وحسن الاستعداد، وفي أحسن تقويم، وما ركب من الروح والقلب والسر والعقل والشهوة والهوى والغضب، وما عنى من خواص مفردات العناصر ومركباتها، وخاصية النباتية والأوصاف الحيوانية والبهيمية والسبعية والشيطانية والأخلاق الملكية والروحانية، وما خلق لحظة فلحظة فيها من الدواعي والخواطر والخير والشر والحركة والسكون والأقوال والأفعال { فاحذروه } [البقرة: 235]، بمراقبة السرائر والضمائر في الباطن وبمحافظة ما أمركم به، وما نهاكم عنه في الظاهر، فاحذروا في البواطن بتزكية النفوس عن المذمومات من الأوصاف، وبتجلية القلوب المحمودات من الأخلاق، وتصفية الأرواح من قطع التعلق بالمكونات، وبتعرض الأسرار لأنوار الجذبات، وفي الظاهر بالاحتراز عن المخالفات، والتزام المتابعة، وإن زالت أقدامكم بزلة من الزلات، وابتليتم من سبق الكتاب بآفة من الآفات، فاعتصموا بحبل التوبة، والاستغفار { واعلموا أن الله غفور حليم } [البقرة: 235]، ولولا حلمه لعجل بعقوبة الأسرار، وما أمهل الأخيار في زلة من الزلات إلى أن يتداركها بالتوبة والاستغفار.
ثم أخبر عن أحوال المطلقات، وما لهن من المهور والمطلقات: { لا جناح عليكم إن طلقتم النسآء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } [البقرة: 236]، الآيتين والإشارة فيهما أن مفارقة الأشكال من الأصدقاء والعيال لمصلحة دنيوية؛ إذ لا جناح عليكم فيها فكيف يكون عليكم جناح بأن فارقتموهم لمصلحة دينية؛ بل أنتم مأمورون بمفارقتهم لزيارة بيت الله، فكيف لزيارة الله، فإن الواجب في زيارة بيت الله مفارقة الأهل والأوطان، وفي زيارة الله مفارقة الأرواح والأبدان " دع نفسك وتعال " ،
قل الله ثم ذرهم
[الأنعام: 91] وفي قوله: { ومتعوهن } [البقرة: 236]، إشارة إلى أن من ترك من الطلاب وأهل الإرادة مالا فليمتع به أقرباؤه حين فارقهم في الله سبحانه ليزيل عنهم بحلاوة المال مرارة الفراق، فإن الفطام عن المال صفات الشديد، وتنفيق المال عليهم بقدر قربهم في القرابة وبعدهم؛ بل يقسم بينهم فرائض الله كالميراث، فإنه قد مات عنهم بالحقيقة، وإن هذا { متاعا بالمعروف حقا على المحسنين } [البقرة: 236]، لأن الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فالمحسن من لا يكون نظره إلى غير الله وفي قوله تعالى: { وأن تعفوا أقرب للتقوى } [البقرة: 237]، إشارة إلى أن الوصول إلى تقوى الله حق تقاته إنما هو بترك ما سوى الله والتجاوز عنه، فإن المواصلة إلى الخالق على قدر المفارقة عن المخلوق والتقرب إلى الله تعالى بقدر التعبد عما سواه، وفي قوله تعالى: { ولا تنسوا الفضل بينكم } [البقرة: 237]، هاهنا في الدنيا، فإن حلول الجنة ودخولها هناك لا ينال إلا من فضله لقوله الذي أحلنا دار المقامة من فضله { إن الله بما تعملون } [البقرة: 237]، في وجدان الفضل وفقدانه { بصير } [البقرة: 237].
ثم أخبر عن وجدان الفضل وفقدانه بقوله تعالى: { حافظوا على الصلوت والصلوة الوسطى } [البقرة: 238]، الآيتين والإشارة فيهما أن الله تعالى أشار في حفظ الصلاة بصورة المفاعلة التي بين الاثنين وقال: حافظوا على الصلاة يعني محافظة الصلاة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى:
" قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل "
Unknown page