229

Tawilat

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

Genres

[2.193-196]

وإنما تعذب النفوس؛ لرفع فتنتها بقوله تعالى: { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } [البقرة: 193] وفتنتها معارضتها ومنازعتها مع القلب بدواعيها وشهواتها، وشربها عن شاربها، فعلاجها بمباشرة أضدادها حتى يصح مزاجها في العبودية ولا تبقى معها آثار البشرية، { ويكون } [البقرة: 193]، استسلامها، { الدين لله } [البقرة: 193]، فلا تعارض لحكم من الأحكام، ولا تنازع في شيء مما يرويه الإسلام، { فإن انتهوا } [البقرة: 193]، فإن استسلمت النفوس { فلا عدوان } [البقرة: 193]؛ أي: الجور والتعذيب، { إلا على الظالمين } [البقرة: 193]، الذين يعبدون الهوى والدنيا من دون المولى.

ثم أخبر عن اعتداء أهل الهوى ومجازاتهم بالاعتداء بقوله تعالى: { الشهر الحرام بالشهر الحرام } [البقرة: 194]، أشار فيها أن يفوتكم من الأوقات بتوالي النفوس ونزاعها وغلبات صفاتها واستيلائها فتداركوه؛ الشهر بالشهر، واليوم باليوم، والساعة بالساعة، والوقت بالوقت، والأوراد بالأوراد، { والحرمات قصاص } [البقرة: 194]، واقضوا الغاية، واقتصوا الحقوق.

{ فمن اعتدى عليكم } [البقرة: 194]؛ يعني: كل صفة من صفات النفس إذا غلبت واستولت عليكم، { فاعتدوا عليه } [البقرة: 194]، وعالجوها بضدها، فإن غلبت بالبخل عالجوها بالسخاء، وإن غلبت بالغضب عالجوها بالحلم، وإن غلبت بالحرص عالجوها بالترك والزهد، وإن غلبت بالشهوة عالجوها بالرياضة والعقلة، فعلى هذا فقس الباقي، { بمثل ما اعتدى عليكم } [البقرة: 194]، فاعتدوا عليها حتى تغلبوا عليها، { واتقوا الله } [البقرة: 194]، في إفراط الاعتداء والاحتراز عن هلاك النفس بكثرة المجاهدات، وفي تفريط الاعتداء اجتنابا من الركون إلى شهوات النفس ومواقفها في المخالفات وهلاكها في فرط الآفات، { واعلموا أن الله مع المتقين } [البقرة: 194]، بالنصرة إلى جهاد النفس وقهرها، ومنعها من الاعتداء بالتوفيق للاتقاء.

{ وأنفقوا في سبيل الله } [البقرة: 195]، من الأموال والأنفس التي اشتراها الله منكم كقوله تعالى:

وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم

[الصف: 11]، { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } [البقرة: 195]، في جهاد النفس بإفراط الاعتداء وتفريطه، ولا في جهاد الكفار بالإفراط بأن يبارز واحد على رهط، ولا بالتفريط بأن يفر واحد من الاثنين، وأيضا: { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } بالتفريط في الحقوق ولا بالإفراط بالحظوظ، وأيضا: بموافقات النفوس ومخالفات النصوص، وأيضا: بترك النفوس وتخلية القلوب، وأيضا: بملاحظة الأعمال في استجلاء الأحوال، وأيضا: بالركون إلى الفتور بالحسان والغرور.

{ وأحسنوا } [البقرة: 195]، مع نفوسكم بوقايتها عن نار الشهوات، ومع قلوبكم برعايتها عن دين الغفلات، ومع أرواحكم بحمايتها عن حجب التعلقات، ومع أسراركم بكلائتها عن ملاحظة المكونات، ومع الخلق بالتصفية ودفع الأذيات وإيصال الخيرات، ومع الله بالعبودية في المأمورات والمنهيات، والصبر على المضرات والبليات، والشكر على النعم والمسرات، والتوكل عليه في جميع الحالات، وتفويض الأمور إليه في الجزئيات والكليات، وتسليم الأحكام الأزليات، والرضا بالأقضية الأوليات، والفناء عن الإيرادات المحدثات في إرادته القديمة القائمة بالذات ، { إن الله يحب المحسنين } [البقرة: 195]، الذين هم في العبادة بوصف المشاهدة.

ثم أخبر عن شرائط الإحسان بإتمام ركن من الأركان بقوله تعالى: { وأتموا الحج والعمرة لله } [البقرة: 196]، والإشارة فيها أن حج العوام وعمرتهم قصد البيت وزيارته، وحج الخواص قصد رب البيت وشهوده، كما قال الخليل:

وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين

Unknown page