195

Tawilat

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

Genres

{ إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا } [البقرة: 160]، تداركوا ما سلف من تقصيرهم بحق الرجعة، والقيام للمريدين بحق النصيحة، والدعوة إلى سبيل الحق بالحكمة والموعظة الحسنة، وبينوا لهم تحميل البيان وإقامة البرهان على ما يقولون بحسن قيامهم بمعاملاتهم، فإن أظهر الحج لسان أفعالك وأصدق الشهادة تصحيح ما تدعوا به الخلق إلى الله أن لا تخالف بمعاملتك ما تشير إليه بمقالتك قال الله تعالى:

ومآ أريد أن أخالفكم إلى مآ أنهاكم عنه

[هود: 88]، { فأولئك أتوب عليهم } [البقرة: 160] يعني: الذين تابوا وأصلحوا ما كان تؤتيهم من تلقاء أنفسهم إنما أنا أتوب عليهم؛ لأني { وأنا التواب } [البقرة: 160]، ولي التوبة، وليست التوبة للذين يعملون السيئات؛ لأني { الرحيم } [البقرة: 160]، أرحم على من أشاء من عبادي بالتوبة، فأتوب عليهم ولولا تهديد هذه الآية، فإن أكثر أهل التحقيق ما خلطوا الخلق وما اشتغلوا بمناصحتهم وتربيتهم وإرشادهم، وما تكلموا على المنبر وما قعدوا على السجادة للشيخوخة فرارا عن خسة الشركاء، واجتنابا عن مزاحمة السفهاء، واحترازا من معنى، وإن كثيرا من الخلطاء ليبقى بعضهم على بعض اللهم إلا من كان منهم مأمورا، فلا يكون معذورا فيخالط الناس ويصبر على أذاهم تقربا إلى مولاهم، وعارضة وصلا تعاظمت؛ إذ دعت وأحبت من دعاء تدعوا فاسمع.

[2.161-166]

ثم أخبر عن المصرين أنهم بأنفسهم مصرون بقوله تعالى: { إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار } [البقرة: 161]، الآيتين والإشارة فيها أن الذين أنكروا على سير القوم وسنتهم، وجحدوا أنواع كراماتهم، وما هم عليه من استقامة الطريق في سلوك الطريق الشريعة، وما كوشفوا به حال الحقيقة خصوصا من سلك مدة، ثم رجع إلى أحوال العادة فبمكر النفس والشيطان ينكر على الأحوال للإخوان، ثم أصروا على هذا الخذلان حتى ماتوا في تلك الوحشة وقبضوا في تلك الظلمة { أولئك عليهم لعنة الله } [البقرة: 161]، واللعنة في الحقيقة ضد الرحمة، فكما أن الرحمة إرادة إيصال زيادة الخير إلى أهل الخير فكذلك اللعنة إرادة إيصال زيادة الشر إلى أهل الشر، فمعناها أن الله تعالى طردهم عن الباب بإراداته القديمة فإنه فعال لما يريد، بلعنة الله وسخطه وقعوا في ورطة الإنكار ومهلكة الإصرار كقوله تعالى:

ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها

[السجدة: 13]، وقال تعالى:

ولو شآء الله لجمعهم على الهدى

[الأنعام: 35].

ولعنته { الملائكة والناس أجمعين } [البقرة: 161]، عليهم بتبعية لعنة الله وموافقته كما وافقوه في الصلاة بقوله تعالى:

Unknown page