Tawilat
التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
Genres
[ص: 75] ليعلم أن استعداد تلك الخلافة واستحقاقها ليس بكثرة الطاعة، ولكنه مالك الملك والملكوت يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء، فلما تفاخرت الملائكة بطاعتهم على آدم عليه السلام من الله تعالى على آدم بعلم الأسماء ليعلموا أنهم أهل الطاعة والخدمة، فإنه أهل الفضل والمنة، وأين أهل الخدمة من أهل المنة، فبتفاخرهم على آدم صاروا ساجدين له ليعلموا أن الله تعالى مستغن عن طاعتهم وبمنته على آدم صار مسجدا لهم ليعلموا
وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشآء
[الحديد: 29] وفي قوله تعالى: { إني أعلم ما لا تعلمون } [البقرة: 30]، إشارة أخرى إلى أنه كما يدل على أن لآدم عليه السلام فضائل لا يعلمها الملائكة فكذلك رذائل أوصاف مذمومة لا يعلمها الملائكة؛ لأنهم لا يعلمون منه أوصافا مذمومة يعني من نتائج النفس الأمارة عند نتائج نظر الروح إلى النفس حاله استعمال الشرع من العجب والرياء والسمعة والخسران واشتراء الحياة الدنيا بالآخرة والابتداع والزيغوغة واعتقاد السوء وغير ذلك مما لا يشاركه الحيوانات.
ثم أخبر عن فضله مع آدم عليه السلام بقوله: { وعلم ءادم الأسمآء كلها } [البقرة: 31]، إلى قوله { وما كنتم تكتمون } [البقرة: 33]، والإشارة في تحقيق الآية أن الله تعالى فضل آدم على الملائكة بفضائل جمة؛ منها: اختصاصه بتعليم الأسماء كلها ذكر الأسماء بالألف واللام وهي لاستغراق الجنس فيقتضي أن لا يكون شيء إلا وآدم يعلم اسمه وقوله: { كلها } أي: بكليتها، وهي حقائق بالمسميات ومعناها.
وعلم آدم الأسماء والمسميات في حقائقها؛ مثاله أن الله تعالى علمك اسم الغنم فما اقتصر منه على جزء هذا الاسم؛ بل علمك أسماءه كلها؛ بأن علمك ببصرك اسم لون أبيض أم أسود، وعلمك اسم صوته بسمعك، واسم ريحه بشمك، واسم طعمه بذوقك، واسم لينه وخشونته بلمسك، وكذلك جميع أسماء صفاته وأخلاقه، وخواص منافعه ومضاره، علمك بقولك وفعلك، وعملك بإيمانك اسم خلقه، فلكل جزء من أجزائه اسم ولون وطعم ورائحة وصفة وخاصة وماهية وحقيقة أخرى لا يعلمها إلا الإنسان ؛ لأنه خلق في أحسن تقويم لإدراك صورة الأشياء ومعانيها وحقائقها، وإن له بحسب كل شيء عن الجملة المذكورة آلة مدركة لذلك الشيء كما هي، وليس للملائكة هذه المدركات كلها إلا ما يتعلق بالقوة المدركة العقلية الملكية؛ فلهذا لما قال: { ثم عرضهم على الملئكة فقال أنبئوني بأسمآء هؤلاء إن كنتم صدقين } [البقرة: 31] أي: إن كان لكم على آدم فضيلة بالتسبيح والتقديس { قالوا سبحنك } [البقرة: 32]، أقروا له بالفخر والاعتذار عن الاعتراض وتنزيها لله أن يفرض في حكم من أحكامه { لا علم لنآ } [البقرة: 32]، بالأسماء وحقائقها { إلا ما علمتنآ } [البقرة: 32]، مما أعطيتنا من النظر الملكوتي { إنك أنت العليم } [البقرة: 32]، الذي أحاط بكل شيء علما
ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شآء
[البقرة: 255]، { الحكيم } [البقرة: 32]، فيما حكمت وقدرت ودبرت الخلافة لآدم لا راد لحكمك ولا مفر من قضائك.
فظهرت فضيلة آدم عليهم بفنون هذه العلوم وبعجزهم عن الإتيان بمثلها، فكما أن القرآن كان دليلا على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وفضيلته على الكافرين بإعجازهم عن إتيان مثله كذلك علم الأسماء، كان دليلا على خلافة آدم عليه السلام وفضيلته على الملائكة بإعجازهم عن إتيان مثله، وهذه الفضيلة كانت لآدم عليه السلام بعد تعلمه لأسماء المخلوقات، فلم يكن مستحقا لسجودهم بهذا المقدار، فما أقام استحقاقه للسجود كان بتعلم أسماء الله تعالى وصفاته بتعليم الله إياه بأن يجعل ذاته وصفاته مرآة قابلة لتجلي صفات جماله وجلاله تبارك وتعالى، كما قال صلى الله عليه وسلم:
" إن الله خلق آدم فتجلى فيه "
، فالتجلي فيه التخلق بأخلاقه والاتصاف بصفاته، وهذا هو سر الخلافة على الحقيقة؛ لأن المرآة تكون خليفة المتجلي فيه وقوله تعالى: { أنبئوني بأسمآء هؤلاء } [البقرة: 31] أي: أسماء المخلوقات دون أسماء الله وصفاته { إن كنتم صدقين } [البقرة: 31]، في دعواكم بالفضيلة على آدم لتسبيحكم وتقديسكم؛ أي: لأن الفضيلة ليست بمجرد هذا فإن ذرات الموجودات مسبحات بحمدي كما قال تعالى:
Unknown page