قرأ فى الصلاة هل يسمع من خلفه وإن كثروا فقال يقرأ قراءة متوسطة لقد بين الله ذلك فى كتابه، فقال:@QUR06 «ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها» [1] فهذه هى السنة فى القراءة فى ظاهر الصلاة وتأويل ذلك أن يكون أيضا كذلك المفاتح فى دعوة الحق لا يجهر بالمفاتحة ولا يخافت بها ويكون لفظه بذلك متوسطا بين اللفظين وكذلك لا يظهر الدعوة صاحبها كل الإشهار ولا يخفيها كل الإخفاء ولا يبذلها كل البذل للمستحق وغير المستحق ولا يمنعها كل المنع ولا ينيلها كل الإنالة ولا يبسط فيها كل البسط ولا يقبض كل القبض بل يتوسط فى ذلك أمرا بين الأمرين وحالا بين الحالين ويتوخى لكل زمان ما يحسن فيه من ذلك وغيره وفى طبقات الناس ما يجب لكل طبقة منهم وأن الدعاة إلى دعوة الحق على تفاوت درجاتهم وحدودهم لهم أمثال كثيرة فمنهم المؤذنون كما ذكرناه والمؤذن لا يؤذن إلا فى وقت الصلاة ولو أذن فى غير الوقت لكان ذلك مما ينكر من فعله، وكذلك لا يؤذن إلا فى مسجد وفيما قرب منه إذا أذن للصلاة فيه، والديك أيضا يضرب مثلا لبعض الدعاة والديك يؤذن فى كل وقت وحيثما مشى وعلى كل مزبلة وفوق كل جدار وفى سائر الليل والنهار ومثله مثل الداعى الذي يفعل مثل ذلك فى دعوة الحق فيخرج عن حدود الواجب فيها إلى التجاوز فى بذلها بخلاف ما جرت السنة فيها، ومنهم من مثله مثل الحمار كما قال تعالى:
@QUR05 «والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة» [2] والحمير مختلفة الأحوال فمنها الحسن الجيد النشيط السريع وهو الممدوح منها، ومثله مثل الداعى العالم العارف البليغ المقتصد فى دعوته، ومنها القبيح البليد ومثله من الدعاة المتخلف فى البيان القليل الفوائد، ومن ذلك قوله تعالى@QUR011 «مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا» [3] والتوراة كما ذكرنا مثلها مثل الظاهر، فأخبر الله أن مثل من لم يقم بالظاهر ممن حمله كمثل من لم يقم بالباطن، كذلك ممن حمله وضرب الحمار مثلا لذلك، ومثله كما ذكرنا مثل الداعى الذي حمل من العلم ما لم يقم به ولم يؤده إلى من حمله إليه حسب الواجب فى الأداء والبيان، والأسفار الكتب وعنى بها حملة أهل دعوة الحق كما قال تعالى@QUR014 «إنها تذكرة، فمن شاء ذكره، في صحف مكرمة، مرفوعة مطهرة، بأيدي سفرة، كرام بررة» [4] يعنى أولياء الله الذين جعل بأيديهم فضله
Page 272