200

وكان منهم من يعرف ذلك ويقف على حدوده فإن هو خرج فى مفاتحته إياهم من حد إلى حد من قبل أن يتم بيان الحد الذي خرج منه فليس لأحد منهم أن يعارضه فى ذلك ولا ينبهه عليه كما لا يجوز ذلك فى ظاهر الصلاة للمأمومين إذا خطرف إمامهم شيئا من القرآن وخرج من سورة إلى سورة فإن انحصر الداعى فى الذي أخذ فيه من البيان أو فى أخذ العهد على المستجيبين وارتج عليه فيه فسكت ولم يدر ما يقوله وكان بحضرته من يعرف ما يتلوها ما وقف عليه من البيان فلا بأس أن يذكره من ذلك ما نسيه وارتج فيه عليه ليستمر فيه ولا يبقى مخصرا متوقفا منقطعا فى البيان.

ويتلو ذلك ذكر الجماعة والصفوف: أعنى جماعة المجتمعين إلى الصلاة فى جماعة مع إمام يؤمهم فيها واصطفافهم خلفه إذا أم بهم، ومثل ذلك فى الباطن مثل اجتماع المستجيبين إلى دعوة الحق عند داعيهم أو من أقيم لتربيتهم وتأدية البيان إليهم ومعنى اصطفافهم صفا خلف صف فى ظاهر الصلاة هو مثل درجات المستجيبين فى السبق إلى دعوة الحق وسيأتى بيان ذلك وشرحه وتمام القول فيه فى هذا الباب إن شاء الله، فهذه جملة القول فى تأويل الجماعة والصفوف وباطن ذلك.

ويتلو ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى الصلاة فى جماعة فظنوا به كل خير وأجيزوا شهادته، تأويل ذلك كما تقدم القول به اجتماع المؤمنين إلى مجالس الذكر والحكمة لسماع ذلك وأخذه عن أولياء الله والمؤدين ذلك عنهم، فمن شهد هذه المجالس وواظب عليها ولم يتخلف عنها إلا لعذر يحول بينه وبينها يعذر به فهو ممن يظن به الخير وتقبل شهادته إذا فعل ذلك فى الظاهر والباطن، فصلى فى الظاهر فى جماعة أهل محلته ولزم فى الباطن مجلس دعوته ولم تظهر منه جرحة تسقط شهادته.

ويتلو ذلك ما جاء عن الصادق صلى الله عليه وسلم أنه قال: الصلاة فى جماعة أفضل من صلاة الفذ بأربع وعشرين صلاة، والفذ فى اللغة الفرد والعرب تسمى أول أسهم القداح التى يضربون بها الفذ، ويقولون كلمة فذة وفاذة إذا كانت شاذة بمعنى أنها واحدة لا نظير لها من الكلام، فصلاة الفذ فى الظاهر هى الصلاة التى يصليها الواحد لنفسه وحده بغير إمام يأتم به ومثل ذلك فى الباطن أن يكون المؤمن يتلو ما سمعه من الحكمة[1] ويتذكره فيما بينه وبين نفسه وحده، ومثل صلاة الجماعة

Page 246