164

وصفهم الله تعالى بقوله:@QUR08 «ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤسهم عند ربهم» [1] فجاء بيان ذلك فى الظاهر ومعناه فى كتاب الدعائم وتأويله فى الباطن أن الأعناق فى التأويل مثل الظاهر لأنها ظاهرة ومما يظهر من خلق الإنسان ولا يستتر ومن ذلك قوله تعالى فى قصة سليمان:@QUR023 «إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق» [2] زعمت العامة فى تأويل ذلك أنه عرض عليه خيل له فاشتغل بها إلى أن غربت الشمس ففاتته قالوا صلاة العصر فضرب أعناقها وعقرها وأن ذلك هو التأويل عندهم ومثل هذا يتنافى عن أولياء الله أن يفعلوه ولا ذنب للخيل فيه وعقرها غير واجب ولا مباح بل هو من الفساد والعبث ومثل هذا مما يكون خبر الأمر فيه والنهى يحتاج فيه إلى إقامة ظاهره وباطنه فقد يكون المراد به الظاهر وحده ويكون مما لا باطن له وقد يراد به الباطن ويكون الظاهر منه إنما ضرب مثلا له وكناية كنى بها عنه وهذا معروف فى لغة العرب الذين خوطبوا بالقرآن بها ومن لباب كلامهم وجواهر ألفاظهم ومما يعد من علمهم ويوصف به أهل النباهة والمعرفة منهم أن يكنوا بالشيء عن الشيء ويضربوا الشيء مثلا لغيره وكذلك أنزل الله من ذلك فى القرآن ما أعجزهم وأحوجهم فى بيانه إلى الرسول الذي علمه ذلك البيان الذي علمه فقال:@QUR018 «لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه» [3]@QUR03 «وأنزلنا إليك الذكر (يعنى البيان)@QUR05 لتبين للناس ما نزل إليهم» [4] وتأويل ما ذكر تعالى عن سليمان من قوله إذ عرض عليه بالعشى الصافنات الجياد يعنى الخيل وصفونها هو قيامها على ثلاث قوائم وترفع قائمة عن الأرض وتضع طرف سنبكها أى حافرها عليها لتستريح بذلك وأكثر ما يفعل ذلك الخيل وقد قرأ بعض القراء فاذكروا اسم الله عليها صوافن يعنى الإبل حين تنحر فتعقل إحدى قوائمها وتقف على ثلاث وقرأ آخرون صواف أى مصفوفة وقرأ آخرون صواف أى خالصة لله والخيل فى التأويل الحجج الذين هم أكابر الدعاة وصفون الداعى وقوفه على حد إمامه وحجته وحده فى ذات نفسه ونصبه مأذونه الذي يكسر له ويدعو ليستريح به وعرضهم هو أن عرضهم سليمان

Page 210