277

Al-Tawḥīd li-Ibn Mandah

التوحيد لابن منده

Editor

علي بن محمد بن ناصر الفقيهي

Publisher

الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وصَوّرتْها مكتبة العلوم والحكم

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٠٥ - ١٤١٣ هـ

Publisher Location

المدينة المنورة

فَمِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ، وَمَنَحَ خَلْقَهُ الكَلامُ فَالله ﷿ تَكَلَّمَ كَلامًا أَزَلِيًّا غَيْرَ مُعَلَّمٍ وَلا مُنْقَطِعٍ، فِيهِ يَخْلِقُ الأَشْيَاءَ، وَبِكَلامِهِ دَلَّ عَلَى صِفَاتِهِ الَّتِي لا يَسْتَدْرِكُ كَيْفِيَّتَهَا مَخْلُوقٌ، وَلا يَبْلُغُهُا وَصْفُ وَاصِفٍ، وَالعَبْد مُتَكَلِّمٌ بِكَلامِ مُحْدَثٍ مُعَلِّمٍ مُخْتَلِفٍ فَانٍ بِفَنَائِهِ، وَوَصَفَ وَجْهَهُ، فَقَالَ: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ﴾ الآية، فَأَخْبَرَ عَنْ فَنَاءِ وُجُوهِ المَخْلُوقِ وَبَقَاءُ وَجْهِهِ، وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِالسَّمِيعِ وَالبَصِيرِ، فَقَالَ: ﴿ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ سَمِيعٌ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ لِكُلِّ الأَصْوَاتِ، بَصِيرٌ بِكُلِّ الأَشْيَاءِ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ لمْ يَزَلْ يَسْمَعُ وَيُبْصِرُ وَلا يَزَالَ كَذَلِكَ، وَوَصَفَ عِبَادَهُ بِالسَّمَعِ وَالبَصَرِ المُحْدِثِ المَخْلُوقِ الفَانِي بِفَنَائِهِ الَّتيِ تَكِلُّ وَتَعْجَزُ عَنْ جَمِيعِ حَقِيقَةِ المَسْمُوعِ وَالمُبْصَرِ.
وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِالعِلْمِ وَالقُدْرَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَمَنَحَهَا عِبَادَهُ؛ لِلْمَعْرِفَةِ عِنْدَ الوُجُودِ فِيهِمْ، وَالنَّكِرَةِ عِنْدَ وُجُودِ المُضَادِ فِيهِمْ فَجَعَلَ ضِدَّ العِلْمِ فِي خَلْقِهِ الجَهْلَ، وَضِدَّ القُدْرَةِ العَجْزَ، وَضِدَّ الرَّحْمَةِ القَسْوَةَ، فَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الخَلْقِ غَيْرُ جَائِزَةٍ عَلَى الخَالِقِ، فَوَافَقَتِ الأَسْمَاءَ وَبَايَنَتِ المَعَانِي مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ، وَوَصَفَ اللهُ ﷿ نَفْسَهُ بِالعِلْمِ، وَأَنَّهُ يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ، لمْ يَزَلْ وَلا يَزَالَ مَوْصُوفًا بِالعِلْمِ غَيْرَ مُعَلَّمٍ، بَاقٍ غَيْرِ فَانٍ، وَالعَبْد مُضْطَرٌّ إِلَى أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا لمْ يَعْلَمْ، ثُمَّ يَنْسَى، ثُمَّ يَمُوتَ وَيَذْهَبَ عِلْمُهُ، وَالله مَوْصُوفٌ بِالعِلْمِ بِجَمِيعِ الأَشْيَاءِ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ دَائِمًا بَاقِيًا، فَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ دَلِيلٌ عَلَى جَمِيعِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ الَّتِي لمْ نَذْكُرْهَا وَإِنَّمَا يَنْفِي التَّمْثِيلَ وَالتَّشْبِيهَ النِّيَّةُ وَالعِلْمُ بِمُبَايَنَةِ الصِّفَاتِ وَالمَعَانِي، وَالفَرْقُ بَيْنَ الخَالِقِ وَالمَخْلُوقِ، وَفِي جَمِيعِ الأَشْيَاءِ فَيمَا يُؤَدِّي إِلَى التَّمْثِيلِ وَالتَّشْبِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الجَهْلِ وَالزَّيْغِ، وَوُجُوبِ الإِيمَانِ بِالله ﷿ وَبِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ، وَأَخْبَرَ عَنْهُ رَسُولُهُ ﷺ، وَأَنَّ أَسَامِي الخَلْقِ وَصِفَاتِهِمْ وَافَقَتْهَا فِي الاسْمِ وَبَايَنَتْهَا فِي جَمِيعِ المَعَانِي، بِحُدُوثِ خَلْقِهِ وَفَنَائِهِمْ، وَأَزَلِيَّةِ الخَالِقِ وَبَقَائِهِ، وَبِمَا أَظْهَرَ مِنْ صِفَاتِهِ وَمَنَعَ اسْتِدْرَاكَ كَيْفِيَّتِهَا، فَقَالَ ﷿: ﴿ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾، وَإِنَّمَا صَدَرْنَا بِهَذَا الفَصْلِ لِئَلاَّ يَتَعَلَّقَ الضَّالُونَ عَنِ الهِدَايَةِ، الزَّائِغُونَ عَنْ كِتَابِ الله ﷿ وَكَلامِ رَسُولِهِ ﷺ بِالظَّاهِرِ، فَيَتَأَوَّلُوا الصِّفَاتِ وَالأَسْمَاءَ الَّتِي فِي كِتَابِهِ وَنَقَلَهَا الخَلَفُ الصَّادِقُ عَنِ السَّلَفِ الطَّاهِرِ عَنِ الله ﷿ وَعَنْ رَسُولِهِ ﷺ الَّذِينَ نَقَلُوا دِينَ الله تَعَالَى وَأَحْكَامَهُ وَبَلَغُوا جَمِيعَ أَوَامِرِ الله الَّتِي أَمَرُوا بِإِبْلاغِهَا مِنَ الصِّفَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، وَاجْتَنَبُوا وَعِيدَ الله ﷿ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ ﷿: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى﴾ الآية، فَبَلَّغُوا كَمَا أَمَرَهُمُ اللهُ ﷿ لمْ يَأْخُذْهُمْ فِي الله لوْمَةُ لائِمٍ، خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، جَعَلَنَا اللهُ تَعَالَى مِمَّنْ يَتْبَعُهُمْ بِإِحْسَانٍ إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ بِرَحْمَتِهِ.

3 / 8