265

يعني أن الطلاق يلزم بالقول الصريح اتفاقا وبالكناية على القول الصحيح المشهور فالصريح هو ما فيه الطاء واللام والقاف نحو طلقت أو أنت طالق وكذا إن قال أنت طالقا بالنصب أو بالخفض لأنه إن كان جاهلا فواضح وإن كان عالما فهازل وهزله جد كذا في الزرقاني (فرع) قال ابن العربي إضافة الطلاق إلى جزء من أجزائها مسألة كبيرة فيها خلاف فقال مالك والشافعي يطلق جميعها وقال أبو حنيفة يلزمه الطلاق في ذكر الرأس ونحوه ولا يلزمه الطلاق في ذكر اليد ونحوها وفي قوله روحك طالق أو كلامك طالق قولان عندنا والمختار اللزوم في الكلام وعند أبي حنيفة لا يلزم فيه شيء اه. والكنايات قسمان ظاهرة وخفية فالظاهرة هي ما كانت في العرف دالة على الطلاق مثل سرحتك وفارقتك أو أنت علي حرام. والخفية هي التي لم تكن كذلك بأن كانت محتملة له ولمعناها الأصلي نحو اذهبي وانصرفي أو أنت حرة ويقبل قوله فيما يدعيه إن رفعته زوجته للقاضي فإن قال نويت به الطلاق لزمه وإن نوى # عدمه لم يلزمه شيء ويحلف. وقوله على الصحيح راجع لقوله وبالكنايات ومقابل القول الصحيح عدم لزوم الطلاق بالكناية وإنما يلزم بالصريح فقط وبه قال جماعة منهم أصبغ فقد قال لا يلزم في تحريم الزوجة شيء كتحريم الطعام. وقال القاضي أبو بكر بن العربي إذا حرم الزوجة فقد اختلف العلماء في ذلك على خمسة عشر قولا (الأول) أنها يمين تكفر قاله أبو بكر الصديق وعائشة والأوزاعي (الثاني) قال ابن مسعود تجب فيه كفارة وليست بيمين وبه قال ابن عباس في إحدى روايتيه والشافعي في أحد قوليه (الثالث) أنها طلقة رجعية قاله عمر بن الخطاب والزهري وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون (الرابع) أنها ظهار قاله عثمان وأحمد بن حنبل (الخامس) أنها طلقة بائنة قاله حماد بن سلمة ورواه ابن خويز منداد عن مالك (السادس) أنها ثلاث تطليقات قاله علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبو هريرة ومالك (السابع) قال أبو حنيفة إن نوى الطلاق أو الظهار كان ما نوى وإلا كانت يمينا وكان الرجل موليا من امرأته (الثامن) أنه لا ينفعه نية الظهار وإنما يكون طلاقا قاله ابن القاسم (التاسع) قال يحيى بن عمر يكون طلاقا فإن ارتجعها لم يجز له وطؤها حتى يكفر كفارة الظهار (العاشر) هي ثلاث قبل وبعد لكنه ينوي في التي لم يدخل بها في الواحدة قاله مالك وابن القاسم (الحادي عشر) ثلاث ولا ينوي بحال ولا في محا قاله عبد الملك في المبسوط (الثاني عشر) هي في التي لم يدخل بها واحدة وفي التي دخل بها ثلاث قاله أبو مصعب ومحمد بن عبد الحكم (الثالث عشر) أنه إن نوى الظهار وهو أن ينوي أنها محرمة كتحريم أمه كان ظهارا وإن نوى تحريم عينها بجملته بغير طلاق تحريما مطلقا وجبت كفارة يمين وإن لم ينو شيئا فعليه كفارة يمين قاله الشافعي (الرابع عشر) أنه إن لم ينو شيئا لم يكن شيء (الخامس عشر) أنه لا شيء عليه فيما قاله مسروق وربيعة من أهل المدينة ورأيت بعد ذلك لسعيد بن حنبل أن عليه عتق رقبة وإن لم يجعلها ظهارا ولست أعلم له وجها ثم قال بعد أن ذكر توجيه الأقوال المذكورة وعدد صورها عشرة (الأولى) قوله حرام (الثانية) # قوله علي حرام (الثالثة) أنت حرام (الرابعة) أنت علي حرام (الخامسة) الحلال علي حرام (السادسة) ما أنقلب إليه حرام (السابعة) ما أعيس فيه حرام (الثامنة) ما أملكه حرام علي (التاسعة) الحلال حرام (العاشرة) أن يضيف التحريم إلى جزء من أجزائها فأما الأولى والثانية والتاسعة فلا شيء عليه فيها لأنها لفظ مطلق لا ذكر للزوجة فيه ولو قال ما أنقلب إليه حرام فهو يلزمه ما يلزمه في قوله الحلال علي حرام أن يدخل فيه الزوجة إلا أن يحاشيها ولا يلزمه شيء في غيرها من المحللات والصحيح جواز المحاشاة بالقلب وأما إضافة التحريم إلى جزء من أجزائها فحكمه ما تقدم في إضافة الطلاق إلى الجزء اه. وفي فائق الونشريسي قال ابن العربي التزام الحرام في حلال أو مباح حرام وعلى فاعله التوبة مما اجترح من الجناح وليس ما حرم على نفسه من ذلك بحرام وهذا أمر مجمع عليه لقوله تعالى: {لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا} فإن صدر هذا في الأنثى وهي مملوكة فكذلك وإن صدر في الحرة وهي في العصمة فكذلك عند طوائف من العلماء وطائفة حملته على الطلاق إذ هو كناية عنه وهل هو ثلاث أو واحدة بائنة أو واحدة رجعية الخلاف وإن صدر في حرة وليست في العصمة ولم يتعلق بشرط التزويج سقط كالطلاق وإن تعلق بشرط لم يلزم بخلاف الطلاق والفرق بينهما أن الشرع ورد بحل العصمة بالطلاق دون الحرام والحرام ملحق بالطلاق في جميع وجوهه لكونه أصلا متفقا عليه ويقصر بالحرام على العصمة الحاصلة دون غيرها لكونه فرعا مختلفا فيه اه. وفي نوازل الطلاق من المعيار سئل السيد عبد الله بن عبد الله الشريف التلمساني عمن قال لزوجته أنت علي حرام ولم ينو الثلاث واطلع على جميع الأقوال الواردة في المسألة واتفق مع زوجته على تقليد من يقول يلزمه طلقة بائنة وعقد النكاح على ذلك (فأجاب) يتركان وتقليدهما وليس لقاضي الموضع أن يتعرض لهما والله تعالى أعلم اه. وفي نوازل الطلاق من العلمي (وسئل) أبو عبد الله محمد بن القاسم القصار عمن قال لزوجته عليه الحرام لو دخلت دار فلان ثم إنها بعد سنين دخلتها فهل سيدي يلزمه # الثلاث أو طلقة بائنة لكون الرجل لم يعتد بذلك الحلف (فأجاب) المشهور يلزمه الثلاث وصحح كثير من المحققين لزوم واحدة بائنة والفتوى به وقالوا أنه يخلص مع الله اه. وقال عقبة وقال أبو العباس سيدي أحمد بن عرضون بعد أن ذكر خمسة أقوال للمالكية في المسألة المشهور لزوم الثلاث ويليه في القوة أنها طلقة بائنة وهذا القول اختاره غير واحد منهم ابن رشد والقاضي أبو بكر بن العربي والإمام ابن سراج والإمام أبو عبد الله بن الفخار والشيخ أبو عبد الله السرقسطي وغيرهم من المتأخرين اه ونظمه صاحب العمل الفاسي فقال

وطلقة بائنة في التحريم ... وحلف به في عرف الإقليم

وأفتى به الشيخ التاودي وغيره وكفى بهؤلاء الشيوخ سلفا وخلفا قدوة والله الموفق للصواب. واعلم أن التحريم والتحليل صعب جدا والاحتياط في الحرام كالاحتياط في الحلال فقد قال عليه الصلاة والسلام في اليوم الذي مات فيه لا يتكل الناس علي بشيء لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه ولا أحرم إلا ما حرم الله تعالى في كتابه يا فاطمة بنت رسول الله ويا صفية عمة رسول الله اعملا لما عند الله فإني لا أغني عنكما من الله شيئا هذا الحديث رواه ابن القاسم عن مالك كما في أحكام ابن العربي عند قول الله عز وجل: {وأنذر عشيرتك الأقربين} في سورة الشعراء وفي الجزء الأول من المعيار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو عفو ثم قال الناظم

(وينفذ الواقع من سكران ... مختلط كالعتق والأيمان)

Page 138