132

وما أتي أكثر الناس إلا من قبل غفلته وجهله بالعواقب، ولو أوتي حظا من النظر لما آثر اللذة العاجلة الفانية على اللذات الآجلة الباقية.

قال ابن الجوزي×: =لو ميز العاقل بين قضاء وطره لحظة، وانقضاء باقي العمر بالحسرة على قضاء ذلك الوطر_لما قرب منه، ولو أعطي الدنيا، غير أن سكرة الهوى تحول بين الفكر وذلك+(374).

وقال: =تذكرت في سبب دخول جهنم فإذا هو المعاصي، فنظرت في المعاصي فإذا هي حاصلة في طلب اللذات، فنظرت في اللذات فإذا هي خدعا ليست بشيء، وفي ضمنها من الأكدار ما يصيرها نغصا، فتخرج عن كونها لذات؛ فكيف يتبع العاقل نفسه، ويرضى بجهنم لأجل هذه الأكدار؟ + (375).

وقال×: =قد جاء في الأثر: اللهم أرنا الأشياء كما هي.

وهذا كلام حسن غاية، وأكثر الناس لا يرون الأشياء بعينها؛ فإنهم يرون الفاني كأنه باق، ولا يكادون يتخايلون زوال ما هم فيه_وإن علموا ذلك_إلا أن عين الحس مشغولة بالنظر الحاضر؛ ألا ترى زوال اللذة وبقاء إثمها؟ + (376).

وقال: =إنما فضل العقل بتأمل العواقب؛ فأما القليل العقل فإنه يرى الحال الحاضرة، ولا ينظر إلى عاقبتها؛ فإن اللص يرى أخذ المال، وينسى قطع اليد، والبطال يرى لذة الراحة، وينسى ما تجني من فوات العلم، وكسب المال؛ فإذا كبر فسئل عن علم لم يدر، وإذا احتاج سأل فذل؛ فقد أربى ما حصل له من التأسف على لذة البطالة، ثم يفوته ثواب الآخرة بترك العمل في الدنيا.

وكذلك شارب الخمر يلتذ تلك الساعة، وينسى ما يجني من الآفات في الدنيا والآخرة(377).

وكذلك الزنا؛ فإن الإنسان يرى قضاء الشهوة، وينسى ما يجني من فضيحة الدنيا والحد، وربما كان للمرأة زوج، فألحقت الحمل من هذا به، وتسلسل الأمر.

فقس على هذه النبذة، وانتبه للعواقب، ولا تؤثر لذة تفوت خيرا كثيرا، وصابر المشقة تحصل ربحا وآفرا+(378).

قال الحسين بن مطير:

ونفسك أكر م عن أمور كثيرة

Page 132