AUTO بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الحمد لله [الذي جعل نجوم السماء، هداية للحيارى] في البر والبحر من الظلماء، وجعل نجوم الأرض وهم العلماء، هداية من ظلمات الجهل والعمى، [وفضل بعضهم على بعض في الفهم والذكاء] كما فضل بعض النجوم (¬1) على بعض في [الزينة والضياء، والصلاة والسلام على محمد خاتم الأنبياء] وعلى آله وصحبه [الأتقياء صلاة وسلاما دائمين] بدوام البقاء.
أما بعد: فقد [قصدت في هذا التأليف] إيراد شيء من مناقب الإمام المطلبي، ناصر الحديث النبوي، أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه.
وقد سبق إلى هذا التأليف في ذلك من يتعسر استيعابهم بالذكر، أو يطمع في اللحاق بهم المتأخر ولو وسع المجال وضيق الفكر.
Page 19
فأول من علمته جمع ذلك إمام أهل الظاهر أبو محمد داود بن علي بن خلف الأصبهاني، وتلاه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي، ثم أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، ثم جماعة من ذلك العصر، ثم جاء الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ فجمع في ذلك كتابا حافلا كبير الفائدة، ثم الحافظ أبو الحسين الآبري، ثم القراب، ثم تلاهم الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي فجمع ما في هذه الكتب وزاد عليها حتى جاء ذلك في مجلد ضخم، ثم ذيل عليه ذيلا.
فالذي يتكلف التأليف في هذا يقع في تعب من غير أرب، إلا إن استروح إلى دعوى جمع المتفرق وتلخيص المنتشر واختراع ما لم يعرجوا عليه واستدراك ما فاتهم مما ظفروا به لتبجحوا بالنظر إليه فعسى ولعل.
وقد وقعت في هذه الدعوى ورجوت من الله التوفيق لتحقيق هذه الرجوى ولخصت في هذه الأوراق غالب المقاصد وزدت عليها نخب الفوائد بمبلغ علمي وجمود فهمي، ورتبت ذلك على بابين في كل منهما مقصد منفرد.
الباب الأول: في إيراد الأحاديث على هذا الإمام التي اختصت بتلقيبها سلسلة الذهب فجعلت هذا الأصل الشريف عمدة هذا التأليف، ويشتمل هذا الباب على فنون يأتي بيانها وعدتها ثلاثة.
Page 20
الباب الثاني: في إيراد مآثره منذ ابتداء مولده إلى حين وفاته وهي تشتمل على فصول أيضا يأتي بيانها وعدتها عشرة.
أخبرنا الإمام المسند الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المؤمن التنوخي إذنا مشافهة من الحافظ أبي الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن المزي والإمام أبي الحسن علي بن إبراهيم بن داود بن العطار قالا: أنا الشيخ الإمام شيخ الإسلام أبو زكريا يحيى بن شرف النووي قال -رحمه الله- في كتاب التهذيب: كان الشافعي -رحمه الله- من أنواع المحاسن بالمحل الأعلى والمقام الأسنى لما جمعه الله تعالى له من الخيرات، ووفقه له من جميل الصفات وسهل عليه من أنواع الكرامات، فمن ذلك شرف النسب، لاجتماعه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جد جده عبد مناف ومن ذلك شرف المولد والمنشأ، فإنه ولد بالأرض المقدسة ونشأ بمكة.
ومن ذلك أنه أخذ من الأئمة المبرزين، وناظر الحذاق المتقنين، ووجد الكتب في العلوم قد مهدت والأحكام قد قررت، فانتخب وتخير وحقق وحبر ولخص طريقة جامعة للنقل والنظر، ولم يقتصر كما اقتصر غيره.
مع ما رزق من كمال الفهم وعلو الهمة والبراعة في جميع الفنون، والمهارة في لغة العرب وإتقان معرفة كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ورد بعض ذلك إلى بعض حتى أذعن لفضله المخالف والموافق، واعترف بتقدمه المفارق والموافق.
فبارك الله تعالى في علومه الباهرة، ومحاسنة المتظاهرة إلى أن انتشرت تصانيفه وتلاميذه، وكثر العدول الآخذون لطريقته بعده، حتى ملأ علمه طبق الأرض كما بشر به الصادق المصدوق.
قال محمد بن الحسن: إن تكلم أصحاب الحديث يوما فبلسان الشافعي.
Page 21
وقال أحمد بن حنبل: ما أحد من أهل الحديث مس محبرة ولا قلما إلا وللشافعي في رقبته منة.
وقال الزعفراني: كان أصحاب الحديث رقودا حتى أيقظهم الشافعي. انتهى.
وإنما بدأت بهذا الفصل ملخصا له من كلام النووي -رحمه الله- تبركا به، وسيأتي بسط هذا وإيضاحه في الباب الثاني إن شاء الله.
Page 22
AUTO الباب الأول ويشتمل على ثلاثة فنون
Page 23