بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المحمود لآلائه المشكور لنعمائه المعبود لكماله المرهوب لجلاله الذي ارتفع شأنه عن مشابهة الأنام وتقدس بكمال ذاته عن إحاطة دقائق الأفهام، وتعالى في عظمته أن تبلغ كنهه حقيقة الأوهام، وأفاض سحاب الأفضال على جميع البرية فشملهم بسوابغ الأنعام. أحمده على ما منحه من إرشاده وهدايته وأسأله العصمة من الشيطان الرجيم وغوايته، وأصلي على أشرف من بعثه ببرهانه وآياته، وجعله سيد متحمل رسالاته، سيدنا محمد صاحب شريعته ودلالاته، وعلى ابن عمه علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه المختار لوصيته وخلافته، وعلى الأئمة من ذريته وسلالته.
وبعد فإن أحق الفضائل بالتعظيم وأجراها باستحقاق التقديم وأتمها في استجلاب ثوابه الجسيم هو العلم بالأحكام الشرعية والوظائف الدينية إذ به تحصل السعادة الأبدية والتخلص من الشقاوة السرمدية، فوجب على كل مكلف صرف الهمة إليه بقدر القابلية وإنفاق هذه المهلة اليسيرة.
ولما نظرت أن قلم البحر الخضم العم الشيخ شيخ يوسف - قدس سره - قصر عن تتمه كتابه المسمى ب " الحدائق " من حيث عاجله القضاء المحتوم الذي جارى على العموم عمدت على تتمته مستعينا بالله وبنبيه وبعترته الطاهرين صلوات
Page 7
الله عليهم أجمعين وذلك لما جف منه قلم الناسخ وهو هذا: وقد ورد في الأخبار أنه مع اختلافهم في الحكم يؤخذ بخلاف ما إليه قضاتهم وحكامهم أميل (1) كما وقع في المقبولة الحنظلية، فيجوز أن يكون ذلك الوقت متلبسا بهذا المرجح لكنه لا يكون على سبيل التحقيق على أنه يمكن أن يكون الحامل للشيخ على ارتكاب التقية في أحد الطرفين دون الآخر لقوة المشهور وضعف ما قابله فتوى ودليلا لأن صحيحة بريد العجلي (2) كما في الفقيه وخبر الكناسي (3) كما في التهذيب والكافي مؤيدان باطلاق صحيحة محمد بن مسلم (4) عن أبي جعفر عليه السلام " قال: سألته عن رجل ظاهر من امرأته ثم طلقها قبل أن يواقعها فبانت منه، عليه الكفارة؟ قال: لا ".
وصحيح جميل (5) عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث " قال: سألناه عن الظهار متى يقع على صاحبه الكفارة؟ قال : إذا أراد أن يواقع امرأته، قلت: فإن طلقها قبل أن يواقعها، أعليه كفارة؟ قال: لا، سقطت عنه الكفارة ".
وصحيحته الأخرى وابن بكير وحماد بن عثمان " (6) كلهم عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: المظاهر إذا طلق سقطت عنه الكفارة ".
فيكون هذا موجبا لاختصاص التقية بصحيح علي بن جعفر المذكور إن أبقيناه على ظاهره، واحتمل فيه العلامة حمله على فساد النكاح لأنه عقيب تزويجها بعد طلاقها بشهر أو شهرين فيكون قد وقع في العدة فيكون باطلا.
واستحسنه بعضهم وأيده بأمرين: " أحدهما " تعقيب التزويج بالفاء المقتضية
Page 8
للفورية وذلك يقتضي عدم الخروج من العدة " وثانيهما " أنه حكاية الحديث تشعر به حيث قال " فراجعها الأول " ولم يقل تزوجها، ولا يخفى عليك ما في هذا التنزيل والتأييد، لأن إطلاق التزويج محمول على الصحيح والشهر والشهران مختلفان بين الظهار والطلاق لا بين الطلاق والتزويج، ثم تعقيب التزويج بالفاء يقتضي التعقيب والفورية بحسب الممكن لا مطلقا كما نبه عليه أهل العربية وصححوه في قولهم: تزوج فلان فلانة فولدت، فإن المراد به وجود الولادة في أول أوقات الامكان وذلك بعد مضي مدة الحمل لا عقيب التزويج بلا فصل، وكذلك قول القائل: دخلت بغداد فالبصرة، وأمثال ذلك كثير حينئذ. فيكون المراد من الخبر أنه تزوجها في أوقات الامكان شرعا وهو بعد انقضاء العدة بلا فصل. هذا إذا سلمنا دلالتها في مثل هذا المقام على الفورية. وعلى تقدير تسليم وقوع الشهر والشهرين بين التزويج والطلاق فيمكن انقضاء العدة بهما وبأقل منهما كما مر بيانه في تحقيق أقل المدة التي يمكن خروج المطلقة فيها باعتبار عدة الظهار.
وأما قوله " ثم طلقها فراجعها " فالكلام في الفاء هنا كالكلام في الأولى، فإن المراجعة بعد الطلاق ليس المراد بها هو العود إلى نكاحها بالعقد الأول وإنما المراد به التزويج، وأطلق عليه المراجعة من حيث إنها كانت زوجة له أولا فأقام عوده لها بعقد جديد مقام الرجوع وهو رجوع لغة، ولهذا جاء في مواضع عديدة من الأخبار إطلاق المراجعة إلى الزوجة في الطلاق النسبي بالمعنى الأخص بأن يراجعها بعقد جديد. فحمله في هذا الخبر على الرجوع الشرعي وإبقاء العدة الأولى في غاية السماجة (1) والبعد، على أنه يلزم ارتكاب المجاز في قوله " ثم طلقها " لأن الطلاق لا يتعقب النكاح الفاسد لأن تزوجها الثاني في العدة مما يوجب فساده والتحريم المؤبد إن كان دخل بها، أو كان عالما بذلك وإن لم يدخل بها كما تقدم في مباحث النكاح.
Page 9
ثم استظهر شيخنا ثاني الشهيدين في المسالك حمل الكفارة في هذا الصحيح على الاستحباب جمعا، لأن الأخبار الأول النافية للكفارة إذا أمضى الطلاق ولم يراجع في العدة كما عليه المشهور أكثر عددا وأصح سندا فيوجب صرف هذه الحسنة إلى الاستحباب، وحينئذ فتسلم من الاطراح وتجامع لمؤدات تلك الصحاح هذا على تقدير تحقق التعارض للاغماض عن مرجحات الأولى.
ونقل الفاضل الهندي في كشف اللثام عن ابن حمزة قولا ثالثا وهو أنه إن جدد العقد المظاهر بعد العدة لم تلزم الكفارة كالمشهور رجعيا أو بائنا. ويلزمه إن جدده على البائن في العدة - ولعله لعموم النصوص - خرج ما لو خرجت من العدة لصحيحة بريد وخبر يزيد الكناسي (1)، فيبقى الباقي، وليس هذا ببعيد لأن المراجعة في العدة سواء كانت مراجعة شرعية أو لغوية الشاملة للعقد عليها في العدة مما تترتب عليه الكفارة في أخبار المراجع في العدة، وإن كان المشهور لا يرضون به لأن المتبادر من الرجعة حيث تطلق هي المراجعة الشرعية لظاهر صحيحة بريد وخبر يزيد الكناسي، وقد سمعتهما حيث قال فيهما " قال: إذا طلقها تطليقة فقد بطل الظهار وهدم الطلاق الظهار، قلت: فله أن يراجعها؟ قال: نعم هي امرأته، فإن راجعها وجب عليه ما يجب على المظاهر من قبل أن يتماسا " وهي كما ترى في المراجعة الشرعية.
وكذلك ما دل على إطلاق المراجعة مثل صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله والحسن بن زياد (2) عن أبي عبد الله عليه السلام كما في التهذيب " قال: إذا طلق المظاهر ثم راجع فعليه الكفارة " يجب حمله على المراجعة الشرعية حملا للمطلق على المقيد، ومع هذا كله لا تجب الكفارة بمجرد المراجعة بل لا بد من إرادة المسيس والجماع لما تقدم من ترتب الكفارة على ذلك في الأصح.
Page 10
ويدل عليه هنا بخصوصه صحيحة الحلبي (1) " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يظاهر من امرأته ثم يريد أن يتم على طلاقها، قال: ليس عليه كفارة، قلت: فإن أراد أن يمسها؟ قال: لا يمسها حتى يكفر ". وكأن قوله " ثم يريد أن تيم على طلاقها " مؤذن بأنه قد طلق بعد المظاهرة، وهذا من القرائن المقالية الواضحة، وكذا قوله " فإن أراد أن يسمها " قرينة على المراجعة في ذلك الطلاق ولو بالامساس، فيكون قوله " لا يمسها حتى يكفر " يعني بعد المراجعة أو بما إذا أراد المراجعة بنفس المسيس، أما ما جاء في خبر موسى بن بكير النمري (2) المرسل عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل ظاهر ثم طلق، قال: سقطت عنه الكفارة إذا طلق قبل أن يعاود المجامعة، قيل: فإنه راجعها، قال: إن كان طلق لاسقاط الكفارة عنه ثم راجعها فإن الكفارة لازمة له أبدا إذا عاود المجامعة، وإن كان طلقها وهو لا ينوي شيئا من ذلك فلا بأس أن يراجع ولا كفارة عليه " فهو من الأخبار المشكلة حيث لم يذهب ذاهب إلى تفصيله المذكور، ولم يطابقه شئ الأخبار الواردة في هذا المضمار، وقد احتمل فيه محدث الوسائل حمل المراجعة المنفية الكفارة معها عند إرادة مطلق الطلاق على المراجعة بعد العدة بعقد جديد لما تقدم في صحيحة بريد وغيرها، ويتحمل صدره أن الطلاق إذا وقع بقصد الفرار عن أثر الظهار غير عامل عمله بدليل قوله " إن كان طلق لاسقاط الكفارة عنه " فلم يحصل قصد البينونة فيكون لاغيا، كما أن الطلاق بقصد أن يراجع يقع لاغيا أو أنه وإن حصلت به البينونة لكن الغاية الموجبة له غير حاصلة به عقوبة من الشارع.
ولا ينافي هذا ما سيجئ عن قريب في المسائل والفروع من أن المظاهر يلزم بالطلاق أو الرجوع بعد المرافعة للحاكم الشرعي بعد ثلاثة أشهر من المرافعة ،
Page 11