132

Tathir Lutus

تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي

Genres

ضحكت فاندا وقالت: «فيما عدا أني لم أعد أستطعم الشاي الأخضر، كل شيء على ما يرام.» «أعتقد أن تغيير المكان قد يكون مفيدا لك.» لمعت عينا الطبيب المجلوتان، وبدأ يحكي عن زمانه حين كان لا يزال طبيبا مساعدا في جنوب أفريقيا. أعطاها بعض النصائح الخاصة بالتطعيمات، ثم خطت فاندا خارجة من العيادة إلى ذاك الأصيل الربيعي الذي يبدو أنه لم يعكر صفوه شيء. على الجانب الآخر من الشارع، كان أندرياس يقف منتظرا إياها. كان البلوفر الذي يرتديه ذو اللون البرتقالي يبدو مثل الضوء التحذيري، وحين هرول في الشارع فرملت السيارات. كان وجهه مشرقا مائلا للون البرونزي، فبدت زواياه أكثر بروزا. كان أفضل دليل على أن ثمة حياة خارج المعامل مكيفة الهواء. خطوات قليلة فقط تفصل بين كلية الفلسفة ومروج اللان، حيث يستمتع الطلاب في الأيام المشمسة بشي أجسامهم علاوة على شي اللحم. القراءة والكلام والتفكير مع الأصدقاء والمرح في كل أرجاء المرج، كانت هذه الحياة تشي بسلام مصطنع، وتذكر فاندا بالوقت الذي كانت فيه هي نفسها طالبة. «أنت لا تفعل شيئا سوى التسكع.» أمسكت يده ورفعت كم البلوفر ووضعت ذراعه في الشمس متفحصة وكأنها تبحث عن لسعات الحشرات. تركها أندرياس تفعل ما يحلو لها، وربت بود على كتفها. «هذه هي العدالة. العتمة للأغنياء وللفقراء بقعة صغيرة مشمسة.» ثم أخذ بيد فاندا وسارا معا.

ثم قال: «تعالي، سنذهب سيرا على الأقدام. أعرف طريقا جميلا.»

صعدا على الطريق المائل نحو القصر. وفي وقت ما اتخذا أحد المنحنيات فصارا في الغابة. سقط الضوء من بين الأشجار الشاهقة عبر أوراقها التي لا تزال صغيرة، فبدا وكأنه ينعكس على ورق شفاف ليجعل الظلال على الطرقات تضيء بدرجات اللون الأخضر. لم يلتقيا منذ مدة، ولهذا ظلا يتجاذبان أطراف الحديث حول صغائر وتفاهات، إلى أن تجرأ أندرياس أخيرا على طرح سؤال: «بخلاف ذلك هل كل شيء على ما يرام؟» كان ينظر إليها نصف نظرة من الجانب. «نعم، هذا ما يبدو، لقد ذهبت اليوم إلى الطبيب للمراجعة.» ترددت ثم أكملت: «لقد أمضينا معظم الوقت في الحديث عن جوهانسبرج.» «جوهانسبرج؟» «سأسافر في القريب إلى هناك.» كانت هذه هي المرة الأولى التي تصيغ فيها نيتها بهذا الوضوح، لم تكن حتى قادرة على استيعاب ذلك. نظر إليها أندرياس مندهشا، فأكملت قائلة: «أعرف هناك عالمة، دعتني أن أعمل معها. ماري كامبل، اسمها أيضا موجود على القائمة اللعينة التي ...» صار يومئ بقوة وكأنه لا يريد أن يسمع المزيد. «متى؟» «في نهاية يونيو.» «وكم من الوقت تمكثين؟» «لقد حصلت على جائزة بحثية، ستكفيني لمدة عام، وبعد ذلك سنرى ما يحدث.» نشت فاندا فراشة خضراء صغيرة من على كمها. «لا أستطيع تصديق الأمر بعد، فحصولي على الجائزة جاء مفاجئا مثل حمل السيدة العذراء بالسيد المسيح. والحقيقة أني لا أعرف ما السبب الذي فزت بها من أجله.» «كنت أعرف دائما أنك أفضل عالمة، لكن ماذا سيحدث لترقيتك إلى أستاذ مساعد؟» «لم أعد واثقة أني أريد هذه الترقية، فالأستاذ المساعد يتعين عليه أن يدرس كثيرا، كما أن عليه أن يترقى، وأن يثبت وجوده العلمي في المحافل الدولية التنافسية. هل تعرف أني حقا أحسدك على هذه المروج؟» «الشمس تشرق أيضا في جنوب أفريقيا.» «نعم بالتأكيد، ستكون بالتأكيد فرصة للاستشفاء.» «هل أنت إذن ...؟» نظر إليها أندرياس بقلق. «لا، لا تقلق، ليس ثمة شيء، فقط ماري مختلفة عني تماما، صارت تدعي أنها تستطيع أن تشم الألوان.» «يا للهول!» فلتت من بين شفتي أندرياس. «نعم، إنها تعاني من اضطراب في الشم، أنا خائفة قليلا ...» «هل هذا مرض معد؟»

ضحكت فاندا وهزت رأسها بالنفي، وفجأة تذكرت أخاها. حاولت أن تتحدث معه بشأن الخطابات التي وجدتها في مكتب أبيها، إلا أن روبرت لم يهتم بهذا الحديث، فتوقفت عن ذلك. لم يعد هناك الكثير يربطها بالبقاء هنا. «لا أنوي العودة.» ساهم الحسم الذي نطقت به هذه العبارة في شد عودها.

ظلا يسيران متجاورين صامتين لبعض الوقت. أصغت فاندا، كانت الغابة تصدر أصوات طقطقة، وكأن أعدادا لا نهائية من فقاعات صغيرة تفرقع. رأت فاندا خيالات الفراشات من وراء الأغصان. كانت الأوراق مخرمة وكأنها أصابها وابل من الرصاص، فبدت مثل مصفاة، وفي أماكن كثيرة لم يبق سوى أطر حزينة معلقة. تساءلت: ترى ما المغزى من هذا؟ ربما كانت ماري على حق ونيو مكسيكو غيرتهم جميعا، سواء بشعوذة السحرة أو بجزيئات النانو. بغض النظر عن السبب، فقد صارت تمثل بالنسبة لفاندا بداية تحول مليء بأحداث لا يبدو فهمها سهلا. لقد شفي بانسيروتي من مرضه ومات جونتر هيلبيرج. بدا لها الأمر وكأنها تنظر في مرآة تتسارع عليها الوقائع وكأنها فيلم سينمائي، أحداثه حقيقية لكنها في الوقت نفسه أسرع من قدرة المشاهد على الاستيعاب. مساحة شديدة التشابك حتى لتكاد تنفجر، لكن لا شيء وراءها. فكرت فاندا: ربما ما زلنا في البداية، اضطرت للابتسام فجأة وأكملت خاطرتها: وعالم النانو هو مجرد قشرة.

عبرا شارع روتينبيرج وراء داميلزبيرج ومرا عبر المقابر الرئيسية.

بدأت تقول بحذر: «يؤسفني الأمر.» «أنك ستذهبين؟»

هزت فاندا رأسها: «لا، بل أننا لن نستطيع أن نكتشف المزيد حول وفاة والدك. على صعيد آخر ...» «ماذا؟» «سعيدة أننا لم نجد شيئا.»

ضغط أندرياس يدها وقال: «أنا أيضا. لم يكن هذا ليعيده إلى الحياة، لكن أنت ... هل أنت بصحة جيدة؟» أومأت برأسها. وصلا إلى الحقول ويداهما متشابكتان. وخيم على أندرياس صمت مهموم.

قالت فاندا في محاولة للتسرية عنه: «تستطيع أن تأتي لزيارتي.» لم تكن في حالة تسمح بمعاناة ألم الوداع.

Unknown page