111

Tathir Lutus

تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي

Genres

هزت فاندا كتفيها. «أريد فقط أن نتوقف عن خداع أنفسنا.»

أومأ أندرياس. «لقد تشاجرت مع أبي حول هذا الموضوع قبل أن يدخل في غيبوبة بفترة وجيزة. ما زلت أعتب عليه أنه لم يخبرني الحقيقة، فقد كان يعرف أنه مريض.»

ردت فاندا وقد بدأ غضبها يهدأ: «ربما كان خائفا.»

زفر أندرياس وقال: «نعم بالتأكيد، لكن ما نتيجة أن نزحف خائفين لنختبئ خلف وضعنا الاجتماعي، أو لقبنا العلمي، أو حسابنا في البنك، أو صناديق الادخار والأسهم ومعامل التميز في الدورية العلمية ...»

سألت فاندا نفسها: أو ربما نختبئ من أنفسنا ذواتها؟ لكنها لم تنطقها. مستها نظرة أندرياس، فقد بدا مثل صبي صغير يلقي قصيدة. ثم قالت وهي تتصنع أنها تمر بالموضوع عرضا: «بالمناسبة ... هل من الممكن أن تكون الغيرة هي دافعك؟» «هل ثمة سبب يدفعني إلى ذلك؟» قبل بضع ساعات كانت لتجيب بنعم، أما الآن فلم تعد متأكدة. على بعد خطوات منهما كان ثمة صندوق قمامة مملوء عن آخره، فوضعت زجاجات الشمبانيا الفارغة إلى جواره على الأرض.

ثم قالت: «وما أخبارك؟ هل بعثت برسالة تهنئة بالعام الجديد إلى لاريسا؟»

زم أندرياس شفتيه ورد باقتضاب «لاحقا سأفعل. بسبب فروق التوقيت. الحفل سيبدأ الآن.» من مكان ما انطلق صاروخ رأس السنة، ورن من بعيد بوق إنذار. لم تكن فاندا قد لاحظت الهدوء الذي ساد من قبل. شعرت بالبرد وأرادت العودة إلى منزلها، ثم مشت أمامه فلم يتحدثا معا. أوصلها أندرياس حتى باب المنزل، فالتفتت نحوه ثانية لتودعه. «بلغها التحية مني!» ثم تمنت له ليلة سعيدة. •••

كان مصباح بئر السلم معطلا ثانية. وأخيرا فتحت باب شقتها قرب الساعة الواحدة، كانت ترتعد من البرد إذ ظلت بالخارج أكثر من ساعة. بالداخل أيضا ساد الظلام حتى بعد أن ضغطت على مفتاح النور. كان باب المطبخ مفتوحا كالعادة، في حين ألقت أضواء المدينة عليه ظلالا رمادية تميل للزرقة فجعلته يلمع وكأنه صورة مطلية بالرصاص. كانت تستطيع كل مرة أن تشعر باللحظة التي تنضبط عيناها فيها على الرؤية الليلة، كان ذلك إجراء فسيولوجيا طبيعيا تنشط بموجبه خلايا الإبصار المسئولة عن التمييز بين الأبيض والأسود، وكأن أحدهم رفع حجابا داكنا من أمام وجهها، فتتخذ الأشياء فجأة في محيطها حدودا خارجية. تزداد حدة التباين بين الفاتح والداكن، كما تستنتج عمقا في المكان تستطيع أن تتجرأ وتتقدم فيه. اصطدمت قدمها بشيء رخو، فتعثرت وتعرفت على جوال الغسيل الذي أرادت أن تأخذه إلى القبو، لكنها اضطرت لتركه عندما دق جرسها سائق سيارة الأجرة ليعلمها بوصوله. عثرت على مصباح الجيب في دولاب المطبخ. بمزيد من السرعة حركت قرص الضوء في الغرفة، وهي تسب وتلعن في داخلها. الآن تحديدا. إن لم أفعلها الآن فسأظل غدا في الفراش طوال اليوم. كانت قد قرأت على لوحة الإعلانات بالأسفل «لا مدير للمنزل في رأس السنة.» كان مجرد التفكير أن المدفأة عطلانة يجعلها ترتعد بردا. في طريق العودة إلى الطرقة تلقى جوال الغسيل ركلة غاضبة. كانت الصورة فوق صندوق الكهرباء مائلة، فأخذتها من على الحائط وأرادت أن تضعها على الخزانة الصغيرة أمامها، فاصطدمت بالزهرية التي لا تضعها عادة في هذا المكان، لكنها أمسكت بها في الوقت المناسب. وعلى ضوء مصباح الجيب رأت مفاتيح الكهرباء قد قفزت لأسفل، وحين مدت يدها لترفعها شمت الرائحة، استدارت فرأت رجلا، كان يرتدي جوربا في رأسه. أمسكها من كتفها، وعلى الفور ضربتها الرائحة المنتنة وكأنها خرقة كبيرة لزجة تضرب وجهها. فصرخت لكن صوتها انحبس. شعرت بثقل ذراعه يضغط على صدرها. أدارها بحركة واحدة وضغط على جسدها. كادت تختنق حين وصل الأثير إلى حلقها وأفقدها الوعي، فاسترخت كل التشنجات. آخر ما رأته كان الألعاب النارية وكأنها في صورة فوتوغرافية، نقاط بيضاء على ورقة كرتون، ثم ظلام دامس. •••

إصبع قدم ضخم يأتي ناحيتها. هذا الوجه، أنا أعرفه، إنه الجار. ساعدني! ماذا يحمل في يده؟ كرتونة بيض؟ أنا عطشانة. لماذا لا يسمعني؟

حين استعادت فاندا وعيها كان الضوء منيرا في المطبخ. وكانت ذقنها تضغط بقوة على ظهر كفها وهي مستلقية على بطنها تحت غطاء، ورأسها يهدر كما لو كانت قضت الليل تشرب الخمر. ضيقت عينيها، وهي تتساءل ألم يكن الجار هنا منذ قليل؟ شعرت فجأة بالغثيان، فتقيأت قطع الديك الرومي والمخاط. بعناء شديد ذهبت إلى الحمام وهناك نهضت ونظرت في المرآة، بدت مثل شبح. كان وجهها ظاهر الشحوب مثل الطباشير، وإنسان العين يومض بلون زهري. استيقظت ثانية في منتصف الليل، كانت متكورة تحت دواسة الحمام. بدأت دمعاتها خفيفة كالرذاذ، ثم سرعان ما تحلحل الاحتقان في صدرها على دفعات، فصار بكاؤها عويلا مثل صاروخ رأس السنة منطلقا في عتمة الفجر.

Unknown page