والحاصل أن من سوى بين الحي والميت في أستقضاء الحوائج فقد ضل في عقله ودينه، ونصوص القرآن كثيرة في إبطال هذا القول. والله سبحانه جعل أهل الدنيا فيها وخولهم ما ملكهم فيها، ولا يتم أمرهم إلا بمعاونة بعضهم بعضا ولم يحجر عليهم سبحانه التعاون والتناصر فيما لا يسخطه، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
يوضح ذلك أن دعاء الإنسان للمسلمين واستغفارهم لهم وقضاء حوائجهم ومعاونتهم عليها من الأعمال الصالحة المرغب فيها، فلو كان هذا يحصل من الميت لم يكن عمله قد انقطع. وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي ﷺ قال: ﴿إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أوعلم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعوا له﴾ ١. فدل على هذه الأشياء التي يطلبها المشركون من الأموات من قضاء حوائجهم أو الدعاء لهم ونحو ذلك التي هي أعمال صالحة من الحي قد استحال وجودها من الميت فطلبها منه طلب مستحيل لعجزه حسا، فلا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا ولاموتا ولا حياة ولا نشورا فهو داخل تحت قوله ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ [الأحقاف:٥] ٍ. ﴿وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ﴾ [يونس:١٠٦] .
والنبي ﷺ فرق بين الحي والميت في الحديث المتقدم آنفا، كما فرق الله بينهما في مثل قوله: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ﴾ وجميع العقلاء بل مجانين كما قدمنا يفرقون بين الحي والميت، فالميت لا يستجيب لداعيه ولا يسمع دعاءه، ولو فرض سماعه فهو عاجز لا ينفع من دعاه كداعي الجمادات قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾