يستسقي لهم كما كانوا يفعلونه في حياته. وحدث في المدينة حوادث عظيمة كوقعة الحرة ولم يأت أحد إلى قبره ليستنصر لهم، فضلا عن أن يطلبوا منه أن ينصرهم، فلو كان هذا جائزا لأتوا إلى قبره، ذكرهم وأنثاهم، لاسيما والمضطر يتشبث بأدنى سبب يظن به النفع، وهذا مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله لو فعل، لكنهم أعلم بالله ورسوله من هؤلاء الخلوف. وكان الناس يأتون إلى عائشة يستفتونها وهي في بيته ﷺ فكيف يستفتونها وتفتيهم وهو ﷺ عندهم يسمع كلامهم ويجيبهم لو سألوه في زعم هذا المبطل. ولما وقع الاختلاف بين علي ومعاوية وأشكل أمرهم على كثير من الناس١ لم يأتوا إلى قبره يستفتونه في هذا الأمر ليزيل الإشكال عنهم. وأشكل على الصحابة مسائل كثيرة يختلفون فيها يوجد في المسألة لهم قولان وثلاثة وأربعة وأكثر. وقال عمر: ثلاث وددت أني سألت رسول الله ﷺ عنها.
فأين هذا المفتري عن أصحاب رسول الله ﷺ من أن يقول لهم كيف تشكل عليكم المسائل وتختلفون فيها٢، وهذا نبيكم بين ظهرانيكم حي ما عرفتم
قدره؟! هذه حقيقة دعوى هذا الملبس، تخطئة أصحاب رسول الله ﷺ وتجهيلهم. وكان ابن عمر يأتي إلى القبر فيقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه ثم ينصرف. وقال سلمة بن وردان٣: رأيت أنس بن مالك يسلم على النبي ﷺ ثم يسند ظهره إلى جدران القبر ثم يدعوا.
ونص الأئمة الأربعة على أنه إذا سلم على النبي ﷺ وأراد الدعاء أنه يستقبل القبلة ولا يستقبل القبر.
ومن المعلوم أن أعظم مطلوب الأمة منه ﷺ أخذ العلم عنه، ولم
١ سقط "وأشكل أمرهم على كثير من الناس" من "ب".
٢ سقطت "فيها " من "أ" و"ط".
٣ في "ط" "ورد إني".