بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على نواله، والصلاة على محمد وآله، هذا تصحيح اعتقاد الامامية (1) للشيخ أبي جعفر بن بابويه - رضي الله عنه - تأليف الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان - رحمه الله - (2).

---

(1) الاعتقاد هو المحرك الاول نحو الفعل، والمهيئ الاول لقبول الاثر وللاخلاق والعواطف المنزلة الثانية من التأثير والاعداد مهما كانت قوية التأثير، فالاعتقاد هو العامل الاول بكل معنى الكلمة، وله أثر عظيم في تقدم الافراد والامم، والمدخلية العظمى في تسافل الانسان وفشل أعماله، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بحسن العقائد، وكم تدهورت امم عظمي في هوة الانقراض من سوء الاعتقاد. فإذا كان الاعتقاد بهذا الشأن فالاهتمام بتصحيح الاعتقاد فريضة فوق الكل، ولما كانت مقالات الصدوق أبي جعفر في عقائده مشوبة بآرائه الشخصية - كما سيأتي - وبصورة موهمة الحكاية عن كافة الشيعة، نهض لنقدها شيخ الامامية، وغرة رجال الاصلاح، المفيد محمد بن محمد بن النعمان - قدس سره - لتنزيه المذهب عن الشانئات والشائبات، ولتصحيح عقائد المسلمين من غرائب الاراء والاهواء، إذ الاعتقاد - كما سلف - هو المحرك الاول (أيما إلى جنة أيما الى نار). ش. (2) ومفتتح النسخة التي هي بخط أحمد بن عبد العالي الميسي العاملي هكذا: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين. قال الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه في قوله تعالى: (يوم يكشف عن ساق) والساق وجه الامر وشدته. قال الشيخ المفيد: ومعنى قوله تعالى: (يوم يكشف عن ساق) يريد به يوم القيامة... الخ. چ.

--- [ 28 ]

Page 27

معنى كشف الساق قال الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المتوفى سنة 381 ه في رسالة اعتقاداته (ا) في معنى قوله تعالى: (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود) (2) الساق: وجه الامر وشدته (3) (4). قال الشيخ المفيد: معنى قوله تعالى: (يوم يكشف عن ساق) (5) يريد به

---

(1) الاعتقادات للشيخ الصدوق ص 23. (2) ا لقلم: 42. (3) فالاية المذكورة تهدد المشركين الذين أنفوا من السجود لرب العالمين فتوعدهم بمجئ يوم عصيب (ولو في هذه الدنيا ومن بعد فتح مكة) تتجلى فيه عظمة دين التوحيد، وقوة تعاليم القرآن، فيرغمون فيه على عبادة الله ويدعون الى السجود. ولفظة (كشف الساق) على وجازتها تشير إلى لطيفتين، إحداهما: شدة الحالة الداهية، والثانية: تجليات الحقائق الاسلامية في المستقبل، لان العرب تكني بكشف الساق عن هاتين الحالتين، وقد جرت عاداتهم على كشف الساق عند استقبال أوحال الطريق والغمرات، وعلى الكشف عن ساق الجارية قبل شرائها أو بعده لمعرفة عيوبها والمحاسن، فأين الاية من الدلالة على ساق الرب تعالى عنه، سيما مع تنكير الساق وعدم إضافته إلى أحد ؟ ! ش. (4) راجع بحار الانوار 3: 309 - 339 وج 4: 1 - 25. (5) هذا ابتداء الرد على المجسمة، وهي فرقة عرفت بعد القرن الاول الهجري، وتفشت في المسلمين، ودعواها جواز وصف الله تعالى أوصاف الانسان الجسمانية والنفسانية، وأن له=

--- [ 29 ]

Page 28

يوم القيامة [ يكشف فيه ] (1) عن أمر شديد صعب عظيم، وهو الحساب والمداقة (2) على الاعمال، والجزاء على الافعال، وظهور السرائر وانكشاف البواطن، وا لمداقة (3) على الحسنات والسيئات، فعبر بالساق عن الشدة، ولذالك قالت العرب فيما عبرت به عن شدة الحرب وصعوبتها: (قامت الحرب على ساق) و(قامت الحرب بنا على ساق) وقال شاعرهم أيضا وهو سعد بن خالد: كشفت لهم عن ساقها * وبدا من الشر الصراح وبدت عقاب الموت * يخفق تحتها الاجل المتاح ومن ذلك قولهم: قد قامت السوق، إذا ازدحم أهلها واشتد أمرها با لمبايعة والمشاراة، ووقع الجد في ذلك والاجتهاد.

---

= تعالى يدا وجنبا وعينا واذنا وقدما وساقا... إلخ، حتى كشف زعيمهم عن ساقه وقال (لله ساق كهذه) ولهجت عامتها بخرافات يأنف اليراع من إيرادها. وسبب انتشار دعواهم قصور كثير من الناس عن تفسير متشابهات القرآن وتمييز وجوه أمثالها ومجازاتها الرائعة عند العرب، فصاروا يفسرون الظواهر من مثل (قدم صدق) (يونس: 2) و(يكشف عن ساق) و(مطويات بيمينه) (الزمر: 67) ومئات آيات اخرى بنحو ما يفهم من الكلمة في أصل اللغة، وقد أوضحنا تفاسيرها جميعا في (المحيط) وفي (الدلائل) وغيرهما. ش. (1) (ز) (ش): ينكشف به. (2 و3) (ق) (ش): والموافقة ، (ز) (م): والمدافعة.

--- [ 30 ]

Page 29

[ تأويل اليد ] فصل: ومضى في كلام أبي جعفر - رحمه الله - شاهد اليد عن القدرة قوله تعالى: (واذكر عبدنا داود ذا الايد) (1) فقال: ذو القوة (2). قال الشيخ المفيد - رحمه الله -: وفيه وجه آخر وهو أن اليد عبارة عن النعمة، قال الشاعر: له علي أياد لست أكفرها * وإنما الكفر ألا تشكر النعم فيحتمل أن قوله تعالى: (داود ذا الايد) يريد به ذا النعم، ومنه قوله تعالى: (بل يداه مبسوطتان) (3) يعني نعمتيه العامتين في الدنيا والاخرة.

---

(1) ص: 17. (2) الاعتقادات ص 23، مجمع البيان 4: 469، التوحيد: 153 / 1. (3) قوله تعالى: (بل يداه مبسوطتان) هي الاية الرابعة والستون في سورة المائدة، وتمامها: (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء)... إلخ، استعارة أسماء الجوارح للمعانى والمجردات سائغة وشائعة كقوله تعالى: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) البقرة: 238. وليس للنكاح عقدة محسوسة ولا انشوطتها في كف ولي الزوج الحسية، فمن الجهل الفاضح توقف المجسم من تأويل اليد في الكتاب والسنة. وفي الحديث النبوي: الحجر الاسود يمين الله في أرضه، وقد حكى اتفاق الظاهرية، حتى الامام أحمد بن حنبل على وجوب تأويل هذا الحديث، فليست الاستعارة عار الكلمة لو=

--- [ 31 ]

Page 30

[ نفخ الارواح ] (1) أبو جعفر - رحمه الله - في قوله تعالى: (ونفخت فيه من روحي) (2) فقال: هي روح مخلوقة أضافها إلى نفسه كما أضاف البيت إلى نفسه وإن كان خلقا له.

---

= لم تكن زينتها، ولا هي بدعا في العربية، بل هي سنة البلغاء من كل الامم، فللجميع تعابير شكوى من يد الزمان حيث لا يد للزمان ولا جسد، ولهم الشكوى من يد المنون وليس بذي يد. وقال الشاعر الجاهلي: (وإذا المنية أنشبت اظفارها)... إلخ، وأنى للمنايا من أكف أو أظافير، فهل يحمل المجسم كل هذه الكلم على حقائقها اللغوية المحسوسة، أم يختار فيها وفي أمثالها ما نرجحه في آية: (لما خلقت بيدي) (ص: 75) ؟ وإذا جاز المجاز في القران ولو مبدئيا فلنا على تأويل اليد في خصوص هذه الاية شاهدان منها عليها، أحدهما: جملة (غلت أيديهم) فان أيدي اليهود المحسوسة لم تغل بأغلال محسوسة، وإنما ذلك منه كناية عن خزي وعار لحقا بهم ، وثانيهما: جملة (ينفق (برحمته) كيف يشاء) فانه دليل إرادة النعمة من كلمة اليد - كما اختاره الشيخ المفيد وغيره. وفي القرآن شاهد ثالث في (سورة الاسرى: 29): (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط)... إلخ، فان مغلة اليد فيها كناية عن الشخ والتقتير، وبسطها كناية عن التبذير والسرف في الصرف أو العطاء، والقرآن يفسر بعضه بعضا. ش. (1) الاعتقادات ص 23. (2) قوله تعالى: (ونفخت فيه من روحي) (الحجر: 29) لا يسع الناس حتى المجسمة المشبهة والظاهرية أن يجمدوا على ألفاظ (نفخت فيه من روحي) دون أن يتاولوا المجاز فيها، لان النفخ الشائع بالهواء إن جوزوه على الالات أو من الالات فلن يجوزه على الروح أو من الروح أحد حتى الحشوي الجهول، وإذا تعذرت الحقيقة فأنسب المجازات اثخاذ النفخ استعارة عن الحركة=

--- [ 32 ]

Page 31