قد يقال: إن مدرسي وزارة المعارف لم يغفلوا التصوف، وكيف وهم يحدثون تلاميذهم عنه في دروس الإنشاء!
وهذا صحيح، فالمدرسون يحدثون تلاميذهم عن الصوفية، ولكن كيف؟
كل ما يفعلون هو دعوة الطلبة إلى الكتابة عن البدع والخرافات التي تقع في الموالد العمومية. أما روح التصوف والكلام عما فيه من صور الأدب والأخلاق فأشياء لا تخطر بالبال!
وهناك مظهر لجحود وزارة المعارف لفضل التصوف، فقد اهتم كثير من الفضلاء بالتأليف في علم النفس، أفتدرون إلى من يتوجه أولئك الفضلاء؟
كل همهم أن ينقلوا ما قال الفرنجة في علم النفس، وما رأينا واحدا منهم فكر فيما كتب الصوفية عن الأهواء والشهوات وأصول الخير والشر والضر والنفع، ولو رجعوا مرة إلى إحياء علوم الدين أو حكم ابن عطاء الله لعرفوا أن هناك مصادر للدرس تصلح للنقل والاقتباس.
ولنجرؤ مرة ثانية فنقول: إن الشخصية الخلقية لم تكن يوما من الشواغل الأساسية بقدر ما كانت في كتب الصوفية، ولم يكتب علم للحق ولوجه الحق على نحو ما كتب الصوفية في الأخلاق.
إن الرجل الصوفي حين يؤلف في أدب النفس يجمع بين الصورة القولية والصورة العملية، فهو شعلة من اليقظة الروحية فيما يعمل وفيما يقول.
ونحن في هذا الموطن لن نخلق ما لم يخلق، ولكن سنذكر بأصول أضاعها أهلوها، وذهبوا يتسولون في حياتهم العقلية، وليس من القليل أن تذكر من عضة الجوع وراح يستجدي الجيران بأن في بيته بقايا من الزاد هي أنفع له من بذل ماء الوجه في السؤال!
أيكون معنى هذا أننا ننهي عن الاستفادة مما كتب الأجانب في علم النفس؟
لا، ولكنا نستجهل من يتوهم أن علم النفس لم يخلق إلا بالأمس، وفي بدع اليوم أن يبحث الباحثون عن المعارف التي عرفها القدماء جدا من كهنة مصر إلى فلاسفة اليونان، فليكن من البدع المقبولة أن نتعرف إلى ما كتب المسلمون في علم النفس وعلم الأخلاق، وهم أقرب إلينا مما كتب كهنة المصريين وفلاسفة اليونان.
Unknown page