263

Tasawwuf

التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق

Genres

أما بعد فهذه توجيهات لآراء الجيلاني، وهي آراء تنكرها الشرائع والقوانين، والناس يتصورون أن القول بها يمضي بالإنسانية إلى معاطب الهلاك.

ولو عقلوا لعرفوا أنها أساس النظام في عالم الحيوان، وهو لم ينقرض في الغابات بسبب البغي والإثم والعدوان.

وأكاد أجزم بأن الإنسانية هي التي ستتعرض للهلاك بفضل ما خلقت من القوانين، فالأمن المطلق يحول الإنسان إلى مخلوق ضعيف؛ لأنه يصرفه عن الاستعداد للمكاره والخطوب.

بقي النص على ما في نظرية الجيلاني من المعاني الشعرية، فهي تروض الناس على الجذل والابتسام، وتشعرهم بأنهم في طاعاتهم وفي معاصيهم جنود أوفياء لرب العزة والجلال، وتوفر عليهم قتل أعصابهم بالندم على ما اقترفوا من ذنوب، والإغراق في الندم قد يقضي على النفوس بالتهدم والانحلال.

ولعل لهذه النظرية دخلا في شيوع بعض التقاليد: ففي صعيد مصر ولي اسمه (فرغل) يعتقد الناس أنه يفرح بالمعاصي، فيملئون ساحات مولده بمظاهر الإثم والفتون، وعند نصارى مصر قديس اسمه (أنبا شنوده) وهم يعتقدون أنه يبارك أهل الشهوات فيملئون ساحات مولده بمظاهر الفسوق، ولعل لهذا كله صلة بالأثر الذي يقول:

لو لم تذنبوا فتستغفروا لخلق الله قوما يذنبون فيستغفرون.

المنظومات الصوفية

هذا بحث لو أطلناه طال: لأن الصوفية عاشوا دهرهم كله في ظلال الشعر والغناء، ولهم على النهضات الموسيقية فضل عظيم، وكانوا في أكثر أحوالهم يتمثلون بالأشعار فينقلونها من الصبوات الحسية إلى الأغراض الروحية، وشواهد ذلك تعد بالألوف، ويكفي أن نذكر ما وقع لأبي الحسن بن الصباغ وقد مر وقت الضحى ببساتين قوص فسمع حمامة على شجرة تغرد بصوت شجي فاستمع ثم تواجد، واستغرق وأنشد:

حمام الأراك ألا خبرينا

بمن تهتفين ومن تندبينا

Unknown page